قال: وجائز أن يكون القرن لجملة الأمة، وهؤلاء قرون فيها، وإنما اشتقاق القرن من الاقتران، فتأويله أن الذين كانوا مقترنين في ذلك الوقت والذي يأتون من بعدهم ذوو اقتران آخر.
والقرن: الميل على فم البئر للبكرة إذا كان من حجارة، والخشبي: دعامة، وهما ميلان ودعامتان من حجارة وخشب وقيل: هما منارتان يبنيان على رأس البئر توضع عليهما الخشبة التي يوضع عليها المحور، وتعلق منها البكرة؛ قال الراجز:
تبين القرنين فانظر ما هما * أمدرا أم حجرا تراهما؟ (1) وفي حديث أبي أيوب: فوجده الرسول صلى الله عليه وسلم يغتسل بين القرنين، قيل: فإن كانتا من خشب فهما زرنوقان.
والقرن: ميل واحد من الكحل. وهو من القرن: المرة الواحدة. يقال: أتيته قرنا أو قرنين، أي مرة أو مرتين.
وقرن: جبل مطل على عرفات، عن الأصمعي.
وقال ابن الأثير: هو جبل صغير؛ وبه فسر الحديث:
أنه وقف على طرف القرن الأسود.
والقرن: الحجر الأملس النقي الذي لا أثر فيه، وبه فسر قوله:
فأصبح عهدهم كمقص قرن * فلا عين تحس ولا إثار (2) ومنهم من فسره بالجبل المذكور، وقيل في تفسيره غير ذلك.
وقرن المنازل: ميقات أهل نجد، وهي: ة عند الطائف؛ قال عمر بن أبي ربيعة:
فلا أنس مالأشياء لا أنس موقفا * لنا مرة منا بقرن المنازل (3) أو اسم الوادي كله. وغلط الجوهري في تحريكه.
قال شيخنا: هو غلط لا محيد له عنه، وإن قال بعضهم: إن التحريك لغة فيه هو غير ثبت.
* قلت: وبالتحريك وقع مضبوطا في نسخ الجمهرة وجامع القزاز كما نقله ابن بري عن ابن القطاع عنهما.
وقال ابن الأثير: وكثير ممن لا يعرف يفتح راءه، وإنما هو بالسكون.
وغلط الجوهري أيضا في نسبة سيد التابعين راهب هذه الأمة أويس القرني إليه، أي إلى ذلك الموضع، ونصه في الصحاح: والقرن: موضع وهو ميقات أهل نجد، ومنه أويس القرني.
* قلت: هكذا وجد في نسخ الصحاح ولعل في العبارة سقطا لأنه إنما هو منسوب إلى قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد أحد أجداده على الصواب؛ قاله ابن الكلبي، وابن حبيب، والهمداني وغيرهم من أئمة النس ب؛ وهو أويس بن جزء بن مالك بن عمرو بن سعد بن عمرو بن عمران بن قرن، كذا لابن الكلبي؛ وعند الهمداني: سعد بن عمرو بن حوران بن عصران بن قرن.
وجاء في الحديث: " يأتيكم أويس بن عامر مع أعداد اليمن من مراد ثم من قرن كأن به برص فبرىء منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره ". قال ابن الأثير: روي عن عمر، رضي الله تعالى عنه، وأحاديث فضله في مسلم وبسطها شراحه القاضي عياض والنووي والقرطبي والآبي وغيرهم، قتل بصفين مع علي على الصحيح، وقيل: مات بمكة، وقيل بدمشق.
والقرنان: كوكبان حيال الجدي (4).