وأنشد القول الآخر:
لقد علم الضيف والمرملون * إذا اغبر أفق وهبت شمالا بأنك ربيع وغيث مريع * وقدما هناك تكون الثمالا (1) وقال أبو طالب النحوي فيما روى عنه المنذري: أهل البصرة غير سيبويه وذويه يقولون العرب تخفف أن الشديدة وتعملها؛ وأنشدوا:
وصدر حسن النحر * كأن ثدييه حقان (2) أراد كأن فخفف وأعمل. وعن الكوفيين: لا تخفف.
قال الفراء: لم يسمع أن العرب تخفف أن وتعملها إلا مع المكني لأنه لا يتبين فيه إعراب، فأما في الظاهر فلا، ولكن إذا خففوها رفعوا، وأما من خفف (وإن كلا لما ليوفينهم)، فإنهم نصبوا كلا ب لنوفينهم (3) كأنه قال: وإن لنوفينهم كلا، قال: ولو رفعت كلا لصلح ذلك، تقول: إن زيد لقائم.
وتكون إن حرف جواب بمعنى نعم كقوله، هو عبيد الله بن قيس الرقيات:
بكرت علي عواذلي * يلحينني وألومهنه ويقلن شيب قد علا * ك وقد كبرت فقلت إنه (4) أي: إنه كان كما يقلن.
قال أبو عبيد: وهذا اختصار من كلام العرب يكتفى منه بالضمير لأنه قد علم معناه.
وأما قول الأخفش إنه بمعنى نعم فإنما يريد تأويله ليس أنه موضوع في أصل اللغة كذلك، قال: وهذه الهاء أدخلت للسكوت؛ كذا في الصحاح.
* قلت: ومن ذلك أيضا قوله تعالى: (إن هذان لساحران)؛ أخبر أبو علي أن أبا إسحاق ذهب فيه إلى أن إن هنا بمعنى نعم، وهذان مرفوع بالابتداء، وأن اللام في لساحران داخلة على غير ضرورة، وأن تقديره ن عم هذان هما ساحران؛ وقد رده أبو علي، رحمه الله تعالى، وبين فساده.
وفي التهذيب: قال أبو إسحاق النحوي: قرأ المدنيون والكوفيون إلا عاصما: إن هذان لساحران، وروي عن عاصم أنه قرأ: إن هذان، بتخفيف إن؛ وقرأ أبو عمرو: إن هذين لساحران، بتشديد إن ونصب هذين ؛ قال: والحجة في إن هذان لساحران، بالتشديد والرفع، أن أبا عبيدة روى عن أبي الخطاب أنها لغة لكنانة، يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد. وروى أهل الكوفة والكسائي وال فراء: أنها لغة لبني الحرث بن كعب، قال: وقال النحويون القدماء: ههنا هاء مضمرة، المعنى: إنه هذان لساحران.
قال أبو إسحاق: وأجود الأوجه عندي أن إن وقعت موقع نعم، وأن اللام وقعت موقعها، وأن المعنى نعم هذان لهما ساحران، قال: والذي يلي هذا في الجودة مذهب بني كنانة وبلحرث بن كعب، فأما قراء ة أبي عمرو فلا أجيزها لأنها خلاف المصحف؛ قال: وأستحسن قراءة عاصم، اه.
وتكسر إن في تسعة مواضع.
الأول: إذا كان مبدؤا بها لفظا أو معنى ليس قبلها شئ يعتمد عليه، نحو: إن زيدا قائم.
والثاني: بعد ألا التنبيهية نحو: ألا إن زيدا قائم؛ وقوله تعالى: (ألا إنهم حين يثنون صدورهم) (5).