في الدار التي في يد عمرو وشهدت البينة العادلة بأنها لزيد مع اذنه في الصلاة إلى غير ذلك من الأعمال التي لا تستلزم رفع الخصومة بينها ولو بحسب اللب فإن الصلاة في الدار المتنازع فيها ليست بفصل خصومة وإيصال للمال إلى صاحبه أصلا كما لا يخفى وهذا أيضا مما لا إشكال في جوازه لغير الحاكم وإن كان ظاهرا بعض عدم جوازه إلا بحكم الحاكم لعموم ما دل على جواز العمل بالبينة والمفروض انه ليس بحكم ولا قضاء حتى يمنع عنه ما دل على اختصاص القضاء بالبينة بالحاكم ثالثها أن يريد من العمل بها فصل الامر بينهما بغير حكومة اصطلاحية كان سرق المال الذي شهدت البينة بكونه لزيد وأعطاه إياه أو باعه عن المدعي ودفع الثمن إليه فإن اعطاء المال لزيد في المثال الأول أو ثمنه كما في المثال الثاني يرفع الخصومة لوصول المال أو بدله إليه إلى غير ذلك مما يكون فصلا للخصومة بحسب اللب من غير أن يكون حكومة اصطلاحية ولا محض ترتيب الأثر كما في القسم الثاني وهذا هو الذي يكون محلا للاشكال ومورد الخلاف وبالجملة فهناك ثلاثة أشياء محض ترتيب الأثر من غير أن يسلتزم إلزاما واخراج حق أصلا لا واقعا ولا ظاهرا وإلزام واقعي للمنكر على أداء الحق وإن لم يعلم به وهذا هو الذي ذكرنا أنه فصل لبي وإلزام ظاهري للمنكر على أداء الحق بالحكومة المتعارفة والأول ليس إشكال في جوازه إذا قامت البينة على الحق لعدم معارضته بشئ كما أن الثالث لا إشكال في عدم جوازه إلا للحاكم كما في الاقرار أيضا وإنما الاشكال في الثاني.
إذا عرفت ذلك فنقول ان المتسفاد من أدلة الحكم والفصل بالموازين الشرعية كونهما مختصين بحاكم الشرع ولا يجوز لغيره التصدي والتعرض لهما سواء رجعا إلى الحكومة الاصطلاحية أم لم يرجعا إليها كما فيما نحن فيه فإنه أيضا نوع فصل بين المتخاصمين وإن لم يكن داخلا في الحكومة الاصطلاحية ويمكن ارجاع كلام صاحب المسالك وغيره إلى ما ذكرنا فتأمل.
ثم إن ما ذكرنا كله إنما هو بالنسبة إلى غير المدعي والمنكر وأما هما فأما المدعي فلا إشكال في جواز أخذه المال وإخراجه عن يد المنكر إذا علم بصدقه كما أن لا إشكال في عدم جوازه له إذا علم بكذبه وإنما الاشكال فيما إذا كان شاكا بحسب الواقع فإن في الحاقه بثالث خارج عنهما في عدم جواز اخراجه للحق لكونه فصلا واقعيا وإلزاما حقيقيا للمنكر أو عدم الحاقه به لعدم شمول ما دل على الاختصاص لنفس المدعى وجهان أوجههما الأول وأما المنكر فإن كان عالما بصدق دعوى المدعي فلا إشكال في وجوب الأداء عليه بينه وبين الله كما أن لا إشكال في عدم وجوبه عليه إذا كان عالما بكذبه وإن كان شاكا فيهما فيجب عليه الأداء أيضا بمقتضى العمل بالبينة فإنه لا مانع عنه في حقه والحاصل ان المدعي وغيره سواء في العلم بالبينة فيما نحن فيه بخلاف المنكر.
فإن قلت إذا علم المدعي أو ثالث بحقية مدعاه وصدقه فيه فقد علم مما ذكرت جواز الالزام الواقعي واخراج الحق لهما فإن كان هذا فصلا دل الدليل على اختصاصه بالحاكم فلا يجوز لغيره كما في الالزام الظاهري المتضمن للقهر والغلبة على المنكر وإن لم يكن فصلا فأي فرق بين العمل بالعلم والبينة.
قلت ما ذكرنا من اختصاص هذا النوع من الفصل بالحاكم أيضا فإنما هو في الفصل بالموازين الشرعية لما استفدنا من أدلتها من كون الفصل بها مطلقا مختصا بحاكم الشرع وأما العمل بالعلم بهذا المعنى فهو أمر قهري يترتب عليه ولا يجوز للشارع النهي إلا بتخصيص أدلة معلومه مثلا إذا علمنا أن المال المتنازع فيه يكون حقا للمدعي وأردنا شرائه منه فالقول بعدم جوازه حينئذ لأنه اخراج حقيقي وفصل واقعي للخصومة بينهما مستلزم لتخصيص ما دل على جواز شراء مال الغير وهذا بخلاف العمل بالبينة فإن القول بعدم جواز العمل بها في الفرض