قلت جواز ترك الفعل للفاعل قبل الايجاد مع انطباق الواجب عليه بعده لا يثمر في كونه ملكا له و مختارا فيه توضيح ذلك أنه وان جاز ترك الفعل في الواجب الكفائي من الفاعل الخاص في الجملة الا ان ما يوجده في الخارج على تقدير اختياره ايجاده هو عين الامر الوحداني الذي يجب على الكل ايجاده فالموجود منه في الخارج ليس إلا الامر الذي طلبه الله تعالى من الكل واستحقه منهم من غير رضائه بتركه فهو مملوك لله تعالى من اي شخص تحقق فلا يجوز له اخذ الأجرة عليه لخروجه عن ملكه بعد الوجود وهذا نظير ما ذكرناه في مسألة تعلق الامر بالطبيعة من أنه إذا تعلق الامر بطبيعة وجوبا لا يجوز ان يأمر ببعض افرادها استحباب وان جاز للمكلف تركها في ضمنه في الجملة نظرا إلى انطباق الطبيعة الواجبة عليه بعد اختيار ايجادها في ضمنه فيكون واجبا فيستحيل عروض صفة الاستحباب له الا ان يلاحظ في الامر الاسحبابي التقييد (المقيد خ) بمفهوم الأخر فيرجع إلى استحباب التكرار ومطلوبية الاثنينية في الوجود فيخرج عن محل الفرض.
فان قلت لو لم يكن منافاة بين جواز الترك وكون الفعل مملوكا لله عز وجل حيثما وجد لكونه مطلوبا له في الجملة فليكن الامر في المستحبات أيضا كذلك لوجود الطلب بالنسبة إليها فحيثما تحققت في الخارج تحققت مطلوبة ومملوكة لله عز وجل مع قيام الاجماع بقسميه على جواز اخذ الأجرة عليها في الجملة والشيخان المذكوران قائلان بالجواز فيها مصرحان بنفي الريب عنه فما تقول به في الجواب عن المستحبات نقول به في الجواب عن الواجبات لاتحاد المناط فيهما وهو جواز الترك ووجود الطلب في الجملة.
قلت لسنا ندعي الملازمة بين المملوكية والطلب أينما تحقق بقول مطلق وانما المدعى هو ثبوت الملازمة بينهما فيما إذا تحقق الطلب في ضمن الوجوب لا مطلقا حتى في ضمن الاستحباب والفرق بينهما بالنسبة إلى المعنى المذكور لا يكاد ان يخفى على ذي مسكة فان الطلب وإن كان موجودا في الاستحباب أيضا الا ان - المملوك هو الفعل الذي لا يرضى بتركه الامر ولو كان باعتبار انطباق الواجب عليه والحاصل ان الطلب الذي قد رخص في مخالفته بقول مطلق لا يمكن ان يصير مورثا للاستحقاق فافهم هذا غاية ما يمكن ان يقال في توجيه - الوجه المذكور.
لكن الانصاف امكان المناقشة فيه لأنه ان أريد من كون الفعل مملوكا لله تعالى في الواجب الكفائي وخارجا عن سلطنة العبد كونه مملوكا بملاحظة الايجاد ففيه منع ظاهر لفرض ترخيصه في تركه قبل الفعل فكيف يمكن ان يقال بخروجه عن سلطانه واختياره وان أريد منه كونه مستحقا عليه لله تعالى وخارجا عن سلطانه بملاحظة الوجود من حيث انطباق الامر الواجب الوحداني عليه كما هو الظاهر من كلام المستدل ففيه منع كون الموجود الخارجي حقا لله تعالى على خصوص الأجير وانما هو حق له على قاطبة المكلفين وانما المانع من اخذ الأجرة هو الأول لا الثاني كما لا يخفى نعم هذا الكلام في الواجبات العينية لا يخلو عن قرب كما سيأتي تفصيل القول فيه واما الواجبات الكفائية فما كان حقا لله تعالى فقد عرفت عدم المنافات فيه واما ما كان حقا للناس كالشهادة إذا وجب على جماعة كفاية فلا يجوز اخذ الأجرة عليه لخروج العمل عن ملكه بتعلق حق الناس عليه فكلما يوجد في الخارج يوجد مستحقا للغير فلا يجوز اخذ الأجرة عليه فالحال في الواجب الكفائي إذا كان حقا للناس كالواجب العيني بخلاف ما كان حقا لله تعالى فإنه يمكن ان يمنع من كون الطلب من الله تعالى بقول مطلق منافيا لاخذ الأجرة كما عرفته في الواجب الكفائي نعم لا بد من أن يستثنى من الواجبات الكفائية ما يكون ذا منفعة مع قطع النظر عن الوجوب ولو قلنا بمانعية الوجوب بقول مطلق لاخذ الأجرة.