بوجوه بعضها صحيحة وأكثرها سقيمة.
أحدها السيرة المستمرة من زمن النبي (صلى الله عليه وآله) إلى زمان من يكون اعتبار السيرة من حيث كشفها عن تقريره وهو إمام العصر عجل الله فرجه وسهل مخرجه فإنها استقرت في تلك الأزمنة على تعيين الولاية واثباتها بها من غير توقف فيه ولا شبهة تعتريه ولم يكن دأب النبي والأئمة عليهم السلام أو من نصبوه لنصب القاضي إرسال البينة العادلة عند كل أحد مع القاضي المنصوب حتى تشهد بولايته والقول بأن قبولهم الاستفاضة في باب الولاية لعله كان من جهة حصول العلم لهم منها بها ضعيف جدا فانا نعلم بعدم حصول العلم لهم غالبا فتأمل.
ثانيها عسر إقامة البينة عليها فيجب سماع الاستفاضة فيها إما الصغرى فواضحة غير محتاجة إلى البيان حيث إن إقامة البينة العادلة عند كل من يحتاج للرجوع إليه مشكلة جدا بل تكاد أن تكون محالا بحسب العادة وأما الكبرى فلما يستفاد من النصوص الكثيرة الواردة في أبواب الفقه من أنه كلما تعسر إقامة البينة يقوم غيرها مقامها ولا يبعد دعوى الاجماع على ذلك المطلب أيضا حيث إنه يستفاد من مطاوي كلماتهم ان هذه القاعدة من المسلمات عندهم هكذا يستفاد من كلماتهم في وجه الاستدلال وفيه أن عسر إقامة البينة على الولاية لا يوجب الانتقال إلى خصوص الاستفاضة لأنه قد يوجب سقوط البينة رأسا من غير أن يقوم مقامها شئ بل قول المدعي مسموع وإن لم يكن عادلا كما فيما لا يعلم إلا من قبله وقد يوجب سقوط بعض شروط البينة مثل الذكورة كما في شهادة النساء على الحمل وغيره مع اعتبار سائر الشروط مثل العدالة والتعدد وقد يوجب سقوط العدالة كما في بعض الموارد مثل الوصية عند تعذر اشهاد العادل فإذا كان الامر كذلك فمن أين يمكن تعيين الانتقال إلى خصوص الاستفاضة لم لا ينتقل إلى شهادة رجلين وإن لم يعلم بعدالتهما أو إلى سماع قوله من غير مطالبة شئ اللهم إلا أن يقال إنه قد انعقد الاجماع على الانتقال إلى خصوص الاستفاضة في المقام وعدم كفاية غيرها فبضميمة الاجماع يتم المراد فتأمل هذا ويمكن الخدشة في هذا الدليل ولو بضميمة الاجماع أيضا بأن قيامه على الانتقال إلى خصوص الاستفاضة لا يدل على ما نحن بصدده من اثبات حجية الاستفاضة من حيث كونها مفيدة للظن الاطميناني لأنه لم يعلم من اتفاقهم الانتقال إلى الاستفاضة وإن لم يفد العلم بل المعلوم من حال بعضهم هو القول بكون اعتبارها من حيث إفادتها العلم.
ثالثها ما يستفاد من كلام بعض الاعلام من أن ما دل على اعتبار البينة في المقام يدل على اعتبار الاستفاضة بالأولوية القطعية لان أدنى مراتب البينة الشرعية لا يحصل بها الظن الغالب المتاخم للعلم فيكون ما أفاده أقوى مما وقع النص والاجماع على ثبوتها به فكان أولى وإن كان مساويا لبعض مراتب البينة أو قاصرا عن بعضها وبهذا الاعتبار يتعدى عما جرت السيرة على اعتبارها فيه إلى غيره هذه خلاصة ما ذكره في وجه الاستدلال وفيه أولا انه لم يعلم أن اعتبار الشارع للبينة إنما كان من جهة كونها مفيدة للظن بل المعلوم كما عند المشهور كون الوجه في اعتبارها هو مجرد التعبد وثانيا سلمنا كون الوجه في اعتبارها هو الظن لم لا يكون هو خصوص الظن الحاصل منها دون الظن من حيث هو ظن حتى يتعدى عن البينة إلى غيرها وإلا لدل كل ما يدل على اعتبار بعض الظنون الخاصة على اعتبار ما هو أقوى منها في إفادة الظن وفساده غير محتاج إلى البيان والحاصل ان الأولوية الظنية أوهن بمراتب من الاستفاضة فكيف يمكن التمسك بها لاثبات حجيتها والعجب من تسمية المستدل ذلك بالمفهوم الموافقة وأعجب من ذلك استدلاله بذلك على اعتبار الظن في الموضوع مع أنه من أشد المنكرين لحجية الظن الحاصل من الشهرة في الاحكام مع أن جريان ما ذكره في المقام بالنسبة إليها أولى (1) بعد ملاحظة أدلة حجية