لاستحالة تداخل الأجزاء بعضها في بعض فكل ما يوجد في الخارج من المزج فهو عرفي لكن لا ريب في أن مراتب المزج بحسب اختلاف الأعيان الممزوجة في شدة المناسبة وعدمها بحسب صغر اجزاء كل منهما في نظرهم مختلفة فبعضها أقرب إلى المزج الحقيقي كاختلاط المائين مثلا وبعضها أقرب إليه بعد المرتبة الأولى كاختلاط الزيتين المايعين وهكذا الامر إلى أن ينتهي إلى مرتبة يطلقون عليها المزج تسامحا ويشكل عليهم اطلاق المزج بعدها ومما ذكرنا يظهر انه لا يشترط في صدق المزج وتحققه اتحاد الممزوجين في الجنس حسبما هو قضية ظاهر كلماتهم كما يعلم من الرجوع إليها ضرورة حصول المزج بين مختلفي الجنس أيضا كما في الخل والأنكبين كما يحصل في متحدي الجنس من غير تفاوت بينهما وهذا أمر ظاهر لا غبار فيه فلا بد من حمل كلامهم إما على أن المراد من الاتحاد في الجنس هو الاتحاد في الأوصاف المشتركة بمعنى انه يشترط في الممزوجين مناسبتهما ولو في بعض الأوصاف وإلا لامتنع امتزاجهما لما تقرر في العلم المعقول من استحالة اجتماع المتباينين من جميع الجهات أو على أن مرادهم مما ذكروا ليس بيان الاشتراط بل هو منزل على الغالب أو على غير ذلك من المحامل.
أما إذا كان المزج بينهما بما هو أقرب إلى المزج الحقيقي فلا اشكال في عدم حصول التعاوض و التبادل بالشركة بل لا يعقل الحكم بحصوله لان معنى المزج المذكور هو خروج كل جزء من أجزاء مال كل من الشريكين عن الاتصال الذي كان له بماله واتصاله بجزء من مال الشريك الآخر (لأنه ما لم يحصل التلاشي والتفرق بين أجزاء المال لم يمكن امتزاجه من المال الآخر خ) فإذا حصل التفرق بين الأجزاء واتصل كل جزء منها بجزء من مال آخر متفرق الأجزاء حصل المزج بينهما فتحصل مما ذكرنا أنه لا يمكن حصول المزج بين المالين إلا بخروج كل جزء منهما عن الاتصال الذي كان له واتصاله بجزء من مال الآخر فإذا خرج كل جزء عن الاتصال الذي كان له خرج عن قابلية تعلق اختصاص المالك به من جهة شدة حقارته الحاصلة له بالمزج نعم هو مع الجزء الآخر الذي فرض اتصالهما يكونان قابلين لتعلق الاختصاص بهما بوصف الاجتماع لكن لما كان الجزء الآخر من أجزاء مال شخص آخر حسبما هو قضية الفرض فالاختصاص المتعلق بهما بوصف الاجتماع قائم بهما فهناك اختصاص واحد قائم بشخصين تعلق بالمجموع المركب من الجزئين فتحصل الشركة بينهما قهرا فالامر فيما نحن فيه نظير الامر في المرتبة الأخيرة من تجزية العين المشتركة بغير المزج في كون الاختصاص في كل منهما متعلقا بالمجموع المركب من الجزئين القائم بشخصين لوحظا شخصا واحدا فالشركة في كل منهما إنما هو بحسب الاختصاص فلازم ما ذكرنا من ارتفاع الاختصاص الذي كان للمالك لكل من جزء ماله حين الاتصال بعد التفريق وحصول اختصاص آخر متعلق به متصلا مع جزء من مال الشريك الآخر ارتفاع ماليته وملكيته وحصول مالية وملكية جديدتين مشتركتين بين الشخصين فإذا تحقق انه يرتفع اختصاص المالك بالنسبة إلى جزء ماله بعد التفريق ويحصل اختصاص جديد بينه وبين المال الآخر متعلق بمجموع الجزئين لا بكل واحد منهما فكيف يعقل الحكم بحصول المعاوضة بالمزج والتشريك مع أن من المعلوم ضرورة انه يشترط في تحقق المعاوضة كون كل من العوضين مملوكا فإذا علم أنه لا يكون هنا معاوضة فنقول انه إن كانت الأجزاء المتصلة بعد الخروج عن الاتصال الذي كان لها متساوية القيمة حينه فيحكم بحصول الشركة لهما في العين بالسوية وإن كانت مختلفة بحسب اتصالها السابق بأن يكون أحد الممزوجين أجود والآخر أدرئ فيحكم بحصول الشركة بينهما في العين بحسب قيمة مالهما قبل المزج والتفريق ولا مانع للحكم على النهج المذكور