أصلا لما قد عرفت أن المانع منه ليس إلا حصول الرباء المبني على كون الشركة الحاصلة في المقام معاوضة و قد عرفت فساد المبني ومما ذكرنا تبين فساد ما ذكره في المسالك في كتاب المفلس من القطع ببقاء الاختصاص بعد المزج وإيراده على من ذهب إلى ارتفاع الاختصاص بعد المزج ثم إن ما ذكرنا كله مبني على ما هو التحقيق من ارتفاع الاختصاص والملكية بالامتزاج في الفرض وأما لو قلنا ببقاء الملكية فلا بد من أن يحكم أيضا بعدم حصول المعاوضة في الفرض لان مصحح المعاوضة ليس مجرد ملكية كل من العوضين بل لا بد من أن يكون كل منهما مالا ومن المعلوم ضرورة ارتفاع المالية للاجزاء لو لم نقل بارتفاع الملكية وهذا الذي ذكرنا أي ارتفاع الملكية والمالية أو المالية فقط بالمزج هو مراد كل من قال بحصول التلف لو مزج الغاصب المغصوب بماله كابن إدريس في السرائر لاستحالة صيرورة الموجود معدوما فالمواد باقية وماليتها تالفة وبالجملة الامر فيما نحن فيه نظير القسمة فكما أن خروج المال من الإشاعة إلى التعيين لا يستلزم معاوضة أصلا حسبما عرفت تفصيل القول فيه كذلك خروجه من التعيين إلى الإشاعة لا يستلزم معاوضة أصلا هذا كله في المزج الأقرب إلى المزج الحقيقي.
وأما المزج الأبعد عنه وهو آخر مرتبة يطلقون عليه المزج كمزج رطل من الحنطة برطل من الحنطة مثلا فلولا قيام الدليل من الخارج على حصول الشركة فيه لم يكن بعيدا أن نقول ببقاء اختصاص كل جزء بحاله غاية الأمر انه لما اشتبه علينا يخرج بالقرعة فإن الخروج بالقرعة ليس دليلا على حصول الشركة ورفع اختصاص المالك من كل حبة ضرورة ان مورد القرعة أعم من الشركة والعام لا يدل على الخاص لكن بعد قيام الدليل على حصول الشركة واعتبار المزج التسامحي في المقام نحكم فيه أيضا بما حكمنا في المراتب المتقدمة عليه هذا ملخص ما أفاده أستاذنا العلامة دام ظله.
ولكن لا يشكل عليك انه بناء على ما ذكر من بقاء الاختصاص فيلزم من الحكم بالشركة حصول معاوضة في البين فلو كان أحدهما أجود والآخر أدرئ فلا يجوز الحكم باشتراكهما في العين بحسب القيمة كما هو المدعى لأنك قد عرفت في طي ما قدمنا لك من الكلمات ان مجرد الملكية والاختصاص ليس مصححا للمعاوضة بل يشترط زيادة عليه أن يكون كل من العوضين مالا فبقاء الاختصاص قبل حصول الشركة بعد المزج و إن كان مانعا في نفسه من الحكم بحصول الشركة إلا أنه بعد قيام الدليل عليه لا يصير دليلا على حصول المعاوضة فتأمل.
هذا كله فيما إذا صار الاختلاط سببا لتحقق المزج عرفا وأما إذا لم يحصل من الاختلاط مزج أصلا كما إذا اشتبه فرس من مال شخص بفرس من مال شخص آخر مثلا فإنه ليس بمزج قطعا بل يشكل اطلاق الخلط عليها أيضا فإنما هو مجرد التباس واشتباه فلا إشكال في بقاء كل من المالين في ملك مالكه وعدم حصول الشركة بينهما وإن اشتركت الصورة مع ما إذا حصل الاشتراك في الاخراج بالقرعة لان المشاركة في بعض الأحكام لا تدل على اتحاد المشتركين في الموضوع حسبما عرفت تفصيل القول فيه.
ثم إن هذا الذي ذكرنا من أحكام الأقسام لا إشكال فيه إن شاء الله تعالى إنما الاشكال في تمييز ما يتحقق فيه المزج عما لا يتحقق فيه فنقول ان الحكم في التمييز والميزان فيه هو العرف من حيث الحكم باتحاد المختلطين وعدمه فكلما حكموا فيه باتحاد المختلطين وعدوهما شيئا واحدا فلا إشكال في تحقق المزج بالنسبة إليه وصدقه عليه وكلما لم يحكموا فيه بالاتحاد ولم يعدوا المختلطين شيئا واحدا فلا إشكال في عدم تحقق المزج وكلما حصل الشك فيه فيرجع إلى القواعد والأصول فيحكم بعدم حصول الشركة ثم إن حكم العرف بالوحدة وعدمها قد يختلط بالنسبة إلى شيئين بحسب قلتهما وكثرتهما كما في اختلاط رطلين من الحنطة أو حنطتين فإن في الأول