عطف قوله تعالى ولأبويه أيضا عليه فيكون الآية مسوقة لبيان أصل الميراث ومقداره معا وحينئذ فيكون قوله تعالى من بعد وصية يوصى بها أو دين بيانا لحق الموصى له وصاحب الدين.
فالحاصل ان مال الميت يقسم على المذكورين الموصى له وصاحب الدين والأولاد والأبوين ولصاحب الدين مقدار دينه وللموصى له مقدار الوصية نعم الاجماع والأدلة خصه بما إذا أخرج من الثلث وللأبوين لكل واحد منهما السدس وللأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين وهكذا ولكن استحقاق أولى الأرحام متأخر عن الدين والموصى به فيصير ما فرض لأولي الأرحام وأوصى إليه به لهم بعد وضع ما فرض لهما فيصير المعنى ان هؤلاء الأرحام يملكون هذه الأنصباء بعد ايفاء الدين والوصية ووصول نصيبهما إليهما إما بيدهما أو يد وكيلهما أو وليهما ولو كان هو الحاكم أو المؤمنين العدول وبالجملة بعد تخلص المال عن الوفاء بهما ولا يحصل مالكيتهم إلا بعد تملكهما لنصيبهما ووصله إليهما فإذا كان كذلك فقد لا يبقى لهم شئ يملكونه وقد نقص (ينقص خ) عما فرض لهم فحينئذ فتعلق حق الدين بالمال ليس من باب تعلق الزكاة بالعين في أنه إذا تلف بعض المال بدون التفريط مع وسعته للجميع قبل العزل واعطائه بالمستحق أو وكيله أو وليه وزع تلفه على الجميع بل إنما هو متعلق بذمة المالك وفي هذا المال وإذا تلف المال قبل الأداء فيبقى في ذمته في (إلى خ) القيمة وأما الموصى به فاعتبار التوزيع فيه إذا حصل النقص قبل القبض غير بعيد.
وقد يحتمل أن يكون المراد من الآية ان هذه الأنصباء إنما تثبت للأرحام بعد أن يكون المال متسعا لهما ولها بأن يفضل عنهما ما يساوي هذه الأنصباء فحينئذ فيكفي في التملك وجواز التصرف ان يعزل نصيبهما وإن لم يوصل بعد إليهما ولا إلى وكليهما أو وليهما ثم يتصرف فيها أو في مقدار ما فضل عنهما من انصبائهم أو يضمن نصيبهما وإن لم يعزل فيجوز التصرف فيما يفضل عنهما أو في الكل بعد الضمان وهو بعيد عن اللفظ والاعتبار ويؤيد الأول مع قربه بعض الأخبار كما سيجئ وهناك معنى ثالث وهو ان استقرار تملكهم يحصل بعد وفاء الدين أو الوصية.
إذا تقرر هذا فنقول اختلفوا في أن المتوفى إذا كان له دين مستوعب للتركة فهل ينتقل المال إلى الوارث لكنه يمنع من التصرف فيه إلى أن يوفى الدين منها أو من غيرها أو هو على حكم مال الميت على القولين الأكثر على الثاني واختار العلامة رحمه الله في كتاب الميراث من القواعد الأول وكذا الشهيد الثاني في المسالك واحتجوا عليه باستحالة بقاء الملك بغير المالك والميت لا يقبل الملك والديان لا ينقل إلى ملكهم إجماعا ولا إلى غير الوارث فتعين انتقالها إلى الوارث قالوا ويمنع الوارث من التركة كمنع الراهن من التصرف في المال المرهون إلى أن يوفى الدين منها أو من غيرها وهو مخير في جهات القضاء.
والأقوى الثاني لظاهر الآية على ما قررناه فإن ثبوت تلك الأنصباء لذوي الأرحام مخصص بقوله تعالى من بعد وصية يوصى بها أو دين فحينئذ إن قلنا بالظهور بأن المراد منه من بعد اخراج الدين وإيفاء الوصية كما هو الأظهر فالمقصود وإن قلنا بعدم الظهور فلا أقل من عدم أظهرية غيره من الاحتمالات أيضا فيصير المخصص مجملا والمخصص بالمجمل لا حجية فيه فلم يثبت الانتقال إلى الورثة أيضا والأصل عدمه وحمل قوله من بعد وصية على أن استقرار الملك مقيد بما بعد وفاء الدين والوصية كما فعله أرباب القول الأول خروج عن الظاهر ومستلزم لان يدعي ان الآية مسوقة لبيان استقرار الملك في الأنصباء لا بيان اثبات أصله ومقداره وهي إنما تتم إذا ثبت تملك أصل الميراث ومقداره من الخارج وكذلك تزلزله من أصل (أجل في) الدين والوصية ويراد اثبات