الكلام في القسم الأول وهو ما إذا كان المنكر كاذبا فيقع تارة في الحكمين إذا حلف على طبق الانكار كذبا وأخرى فيهما إذا حلف تورية لا كذبا.
فالكلام في القسم الأول في مقامين فنقول إما الكلام في المقام الأول منهما فلا إشكال ولا ريب في حرمة الحلف بالله كاذبا ويدل عليها مضافا إلى ما دل على حرمة الكذب عموما من الأدلة الأربعة ما ورد في خصوص المقام من الاخبار المتظافرة بل المتواترة التي قد تقدمت إلى جملة منها الإشارة قال رسول الله صلى الله عليه وآله انما أقضي بينكم بالبينات والايمان وبعضكم ألحن بحجته من بعض فأيما رجل قطعت له من مال أخيه شيئا يعلم أنه ليس له فإنما قطعت له قطعة من النار بل لا إشكال ولا خلاف في كونه كبيرة موبقة موجبة لفسق فاعلها هذا كله في الحكم التكليفي للحلف كاذبا وأما حكمه الوضعي فالمشهور بل المدعى عليه الاجماع سقوط الدعوى بها في الجملة بل قد عرفت سابقا ذهاب الأكثر إلى عدم جواز التقاص بعدها للمدعي استنادا إلى أخبار كثيرة أوردناها سابقا هذا إذا لم يعلم الحاكم بكذبه قبل الحلف وأما إذا علم به قبله فلا إشكال حسبما عرفت سابقا في قضائه بعلمه هذا مجمل القول في المقام الأول.
وأما الكلام في المقام الثاني فيقع أيضا في مقامين أحدهما في الحكم التكليفي ثانيهما في الحكم الوضعي.
أما الكلام في الحكم التكليفي فقد قوى الأستاذ العلامة دام ظله الحرمة مدعيا في ظاهر كلامه في مجلس البحث انعقاد الاجماع عليها لا لان التورية كذب موضوعا حسبما توهمه بعض فيدل على حرمتها كل ما دل على حرمة الحلف كاذبا ولا لأنها مستلزمة للظلم على المدعي بأكل ماله وبطلان حقه لان الحرمة من هذه الجهة لا دخل لها باليمين بل لان المستفاد مما دل على حرمة الحلف كاذبا هو حرمة كل يمين بالله توجب ابطال حق الناس من حيث كونه استخفافا باسم الله جل جلاله وعظم شأنه وتقدست أسمائه وذكر في أثناء كلامه مما يستفاد منه ذلك من الاخبار ما ورد في أصل تشريع اليمين في زمان داود على نبينا وآله وعليه السلام.
وحاصل مضمون الحديث انه كان ميزان تميز (الميزان لتمييز خ) المبطل من المترافعين من المحق في زمانه (عليه السلام) سلسلة من الحديد جاءت من السماء فإذا رفع المنكر يده إليها فإن كان محقا وصل يده إليها وإلا ارتفعت السلسلة ولم يصل يده إليها حتى وقعت مخاصمة بين رجلين في دراهم يدعيها أحدهما على الآخر وكان المنكر واقعا مشغول الذمة وكانت الدراهم عنده فأدرجها في جوف عصاء له لم يعلم أحد به فأمر المدعي بحفظه حتى يرفع يده إلى السلسلة فرفعت فإذا ارتفعت السلسلة إلى السماء ونادت باني لست ميزانا بين الحق وبالباطل ثم أوحى الله عز وجل إلى نبيه بالحلف على اسمه تعالى وانه الميزان بين الحق والباطل ولو جوز للمنكر التورية في الحلف للزم الاحتياج أيضا إلى ميزان آخر غير اليمين والملازمة ظاهرة وأيضا مقتضى قوله ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم هو حرمة اليمين على النهج المذكور لان صيرورة اسم الله عرضة فيه مما لا يخفى على أحد.
هذا مجمل ما ذكره الأستاذ العلامة دام ظله العالي في توجيه الاستدلال على الحرمة بل قد جزم بكون التورية في الصورة المذكورة كبيرة موبقة للحكم بفسق صاحبها ولكن لا يخفى عليك ما في الاستفادة المذكورة وفي الحكم بكون التورية في الفرض من الكبائر فتأمل هذا مجمل القول في الحكم التكليفي.
وأما الكلام في المقام الثاني وهو كفاية الحلف على الوجه المذكور وعدمه في اسقاط الدعوى وسائر - الآثار فنقول لا إشكال في عدم كفايته لان ما يكفي من اليمين هي التي كانت مطابقة للانكار ونافية للدعوى