اذنه لكان لغوا فما التفصي عن ذلك.
قلت التفصي عنه بوجوه أحدهما أن يقال إن اذن المدعي ليس شرطا في أصل حلف الحالف بل إنما هو شرط في استحلاف الحاكم من حيث إن أعماله هذا الميزان أي يمين المنكر والقضاء بها موقوف على استيذانه من حيث كونه حقا للمدعي فالمدعي إنما يأذن الحاكم في أعماله ميزان القضاء لا انه يرضى بفعل القبيح من المنكر حتى يقال إن صدور هذا الفعل القبيح لما كان موقوفا على رضائه فالرضاء به من المدعي قبيح وحرام بل ما يرضى به المدعي هو اعطائه حقه ولا يرضى بيمينه المسقطة لحقه فتأمل (1).
ثانيها أن يقال إنه لا ضير في التزام ذلك وقد دل الاخبار عليه مثل قوله إذا أرضى صاحب الحق بيمين صاحبه فحلف فلا حق له ولا مانع منه إلا كونه رضاء بالقبيح وهو قبيح وهو غير مانع إذ نمنع من قبحه يعد كونه موجبا لردع المنكرين عن الانكار كذبا وعنادا حيث إن الحلف كاذبا كما سمعنا ورأينا كثيرا ما يستعجل في هلاك الحالف فيوجب ذلك ردع من يريد إنكار الحق واخفائه ولو كان قبيحا أيضا ذاتا لا ضير في تجويزه مراعاة للمصلحة المذكورة فهو نظير الاذن من ارتكاب أقل القبيحين فتأمل.
ثالثها أن يقال إنه ليس الشرط في المقام هو الرضي الباطني من المدعي بحلف المنكر حتى يقال إنه رضي بالمعصية التي تتوقف على رضائه بل إنما الشرط هو اذنه من حيث كون منعه مانعا وبعبارة أخرى كما أن إقامة البينة حق للمدعي وطريق لاثبات حقه كذلك حلف المنكر أيضا طريق لتخلصه من مطالبة المدعي ودعواه فإن اذن المدعي ولم يمنع من استحلافه فهو وإن منع منه فقد حصل التخلص بنفس منعه وعدم مطالبته لأنه بعد رفع يده عن الدعوى يحصل التخلص للمنكر من غير يمين ومعلوم انه لا يجب على الشخص رفع اليد عن حقه حتى لا يقع غيره في المعصية باختياره وهو نظير ما إذا جاءك سارق فقال لك ارفع يدك عن جميع أموالك وإلا أحاربك وأقتلك فإنه لا يجب عليك حينئذ رفع اليد عن جميع الأموال حتى لا يقدم السارق على فعل القبيح بل يجوز لك أن لا ترفع يدك عن مالك فإن قاتلك باختياره فلك أن تقاتله وتقتله والحاصل ان الاذن فيما نحن فيه كإذن موسى على نبينا وآله وعليه السلام السحرة بالسحر فإنه لم يكن واجبا على موسى (عليه السلام) رفع اليد عن الارشاد والهداية فيما إذا أراد من يريد اهدائه فعل معصية وقبيح باختياره وهذا الجواب ذكره الأستاذ العلامة دام ظله ونحن لخصناه بطوله وعليك بالتأمل فيه.
فإن قلت إن المدعي إذا صالح حقه بدراهم فيرد عليه هذا المحذور أيضا لان المدعي قد يكون مبطلا فيكون الدرهم عليه حراما فيكف يصالح عليها مع أنه لا إشكال في جواز مصالحته وصحته إذ الصحة لا تنافي الحرمة عليه.
قلت نمنع من صحة المصالحة واقعا إذا كان المدعي مبطلا في دعواه بحسب اعتقاده فيحرم عليه أكل المصالح عليه نعم لو علم بحقية دعواه إما بعلمه باشتغال ذمة المنكر بالمدعى أو قيام امارة معتبرة عليه عنده صح الصلح واقعا.
وبالجملة لا إشكال في فساد قياس الصلح على اليمين على الصلح بغيرها لأنه في صورة علم المدعي بحقية المنكر يكون يمينه لغوا وفي صورة عدم علمه بها يكون إلزامه بها حراما فلا مورد لصحته وهذا بخلاف الصلح بالدراهم لان المصالحة عليها لا يكون لغوا على كل تقدير والزام المنكر بها أيضا لا يكون حراما في .