اجراء الأحكام المذكورة عليه ولو بعد إقامة البينة بل ظاهرها في مقام بيان انه يعامل معه بأحد الوجوه السابقة بعد فرض عدم قيام الحجة من المدعي على الحق فانظر إلى كلام الشيخ المتقدم تجده شاهد صدق على ما ذكرنا فإن قوله وإلا جعلتك ناكلا ليس إلا في مقام بيان ادخاله في موضوع الناكل وحكم الناكل معلوم مقرر في محله والحاصل ان اختلافهم في المقام ليس بما يوجب مخالفته لما تقرر عندهم من ميزان القضاء من الحكم بالبينة أولا إن وجدت وإلا فيعامل مع المدعى عليه ما هو المقرر في الشرع وأما ما استدل عليه من حديث تأخر سماع البينة من الجواب ففاسد جدا لعدم قيام برهان عليه أصلا كما لا يخفى فاستمع لما يتلى عليك من تحرير الأدلة للأقوال لعله يظهر لك بالتأمل فيها ما يكون شاهدا على ما ذكرنا وبينة على ما ادعينا.
فنقول أما القول الأول المنسوب إلى أكثر المتأخرين فقد استدل له بوجوه أحدها ان الجواب حق للمدعي من (على خ) المدعى عليه فيجب التوصل إلى تحصيله بالحبس كما إذا أثبت الحق عليه باقراره أو إقامة البينة عليه مع انكاره أو بغيرهما من موازين القضاء وامتنع من أدائه فإنه يحبس حتى يؤدي ثانيها النبوي المشهور لي الواجد يحل عقوبته وعرضه المعتضد بالنصوص الكثيرة الدالة على حبس أمير المؤمنين (عليه السلام) باللي والمطل من دون ضرب وإهانة ونحوهما ثالثها ان ما دل من الأدلة على الحكم بالنكول أو الرد أو غيرهما من موازين القضاء إنما هو بعد تحقق موضوع المنكر لا قبله فيجب التوصل إلى تحصيله من حيث كونه مقدمة لأعمال موازين القضاء واستخراج الحقوق رابعها ان الواجب عليه الجواب وهو كما يحتمل الاقرار المثبت للحق كذلك يحتمل الانكار النافي للحق وغيره ليس بواجب عليه وجعله كالناكل يحتاج إلى دليل هذه غاية ما يمكن الاستدلال به للقول المذكور.
وأنت خبير بعدم تمامية شئ منها أما الأول فللمنع من كون الجواب في نفسه حقا للمدعى مع قطع النظر عن المدعى به وإنما هو حق له باعتبار كونه وصلة إليه فإذا أمكن تحصيل الحق بدونه بمقتضى أدلة القضاء بل لزوم مراعاته لابطاله أو تأخيره كثيرا ما فلا معنى للتوصل إلى تحصيله بالحبس وغيره حتى يلزم ما ذكر نعم لو ثبت ان الجواب من المدعى عليه حق للمدعي بحياله لتعيين الالتزام بالقول المذكور ولكن دون اثباته خرط القتاد وأما الثاني فلان المنساق من الأخبار المذكورة كما لا يخفى على من أعطى حق النظر فيها هو خصوص الحقوق المالية فلا تشمل المقام أصلا مضافا إلى ما عرفت من منع كون الجواب حقا للمدعي وأما الثالث فبمنع كون الاحكام مترتبة في الأدلة على المنكر من حيث هو منكر بل أكثر أخبار الباب خالية عن لفظ المنكر وإنما الموجود فيها المدعى عليه وهو كما ترى أعم من المجيب والساكت ولا تعارض بينه وبين ما فيه لفظ المنكر أصلا كما لا يخفى وأما الرابع فلان سكوته بعد اصراره عليه بمنزلة نكوله وسيجئ قيام الدليل عليه وأما القول الثاني فيمكن أن يستدل له ببعض الوجوه للقول الأول وقد عرفت الجواب عنها وقد استدل له أيضا بما دل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفيه أولا ان أدلة الأمر بالمعروف لا تقتضي الالزام بما ذكر في أول الأمر كما لا يخفى لان مراتبه كما قرر في محله متدرجة وثانيا ان الجواب ليس بواجب عليه بالوجوب النفسي الذاتي وإنما وجوبه عليه من حيث كونه واسطة لوصول الحق إلى المدعي فلا معنى لمراعاته مع ايفائه وثالثا لو سلم وجوبه عليه بالوجوب النفسي لكنه معارض بتضييع حق المدعي في مراعاته الذي قد وجب القضاء على الحاكم لأجل استخراجه فافهم فتبين مما ذكرنا كله ان الحق هو ما ذهب إليه الشيخ قدس سره ومن عرفتهم وأنت تقدر على استفادة ما يدل على صحة ما صرنا إليه مما ذكرنا في رد القولين الأولين إلا أن بالحري أن نتعرض لما استدل أو يمكن الاستدلال به لما ذكرنا حتى يتضح المرام ويرتفع غواشي الأوهام.