عن المدعى عليه التعليل باني إذا فعلت ذلك ما شككت فيه أبدا وبالجملة الحكم في الفرض مما لا إشكال فيه أصلا بل قد نقل الاجماع عليه وإن لم يكن حاضرا فيه فإن تعذر عليه الحضور أو امتنع منه فلا إشكال في الحكم عليه وإن كان حاضرا في البلد ويدل عليه قبل الاجماع حسبما حكاه الأستاذ العلامة دام ظله أدلة نفي الضرر والضرار في الشريعة النبوية المحمدية المحمودة على صاحبها ألف التحية مضافا إلى أنه لو بنى على عدم السماع فيه لأفضى إلى تضييع الحقوق كثيرا الذي شرع لرفعه القضاء والحكم وإن لم يكن حاضرا في مجلس القضاء ولم يتعذر عليه الحضور أيضا فإن كان مسافرا بحد المسافة الشرعية فهو أيضا خارج عن محل النزاع لكونه المتيقن من الغائب الذي انعقد الاجماع على القضاء عليه في الجملة وإن لم يكن مسافرا كذلك ففيه الأقوال فعلم مما ذكرنا أن عنوان الممتنع من الحضور أو المتعذر عليه ذلك غير عنوان الغائب وإن اجتمعا في بعض المصاديق ومنه يظهر ما في كلام بعض من الخلط بينهما فراجع.
إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى ذكر الأدلة للأقوال في المسألة فنقول احتج للقول المشهور بوجوه منها طوائف من الاطلاقات أحدها اطلاق ما دل على الحكم بالحق والقسط الشامل للحاضر والغائب بأقسامه خرج منه الحاضر قبل السؤال بالاجماع والأخبار المستفيضة وبقي الباقي ثانيها اطلاق ما دل على القضاء بالبينات من الاخبار البالغة حد الاستفاضة القريبة بحد التواتر ثالثها اطلاق ما دل على القضاء على الغائب من الأخبار المتقدمة منها رواية هند زوجة أبي سفيان بناء على ما نقل من حضوره في بلدة مكة ومنها لزوم الضرر كثيرا ما لو لم يحكم عليه وهو منفي بأدلة الضرر وأيضا يلزم منه ابطال الحقوق فيجب حفظها بتجويز القضاء هذا مجمل ما يتمسك به للمشهور.
وأنت خبير بضعفه وعدم نهوضه للدلالة على المدعي أما اطلاقات ما دل من الاخبار على الحكم بالقسط والعدل وبالبينات والايمان فبأنه لا إطلاق فيها ينفع المقام لأنها واردة في مقام بيان القضية المهملة وتشريع القضاء والحكم في الجملة على شروطه المقررة في الشريعة حسبما مرت الإشارة إليه غير مرة فكما أن ما دل من الاجماع والاخبار على اشتراط العدالة في البينة وغيرها من الشروط لا يعد معارضا ومقيدا لهذه الاخبار بل مبينا لما أهمل فيها كذلك القول باشتراط القضاء بالبينة في الغائب عن مجلس القضاء بالسؤال عنه ليس منافيا لها.
والحاصل ان تلك الأخبار واردة في مقام بيان القضاء بالبينة وأمثالها في الجملة وفي مورد ثبت جواز القضاء فيه من الخارج وليست في مقام بيان ان في أي مورد يجوز القضاء بها وفي أي مورد لا يجوز وما ذكرنا ليس بمخفي على الأصاغر بعد البحث عن القضية فضلا عن الأكابر والأعاظم بل لنا أن نقول إن عمومات القضاء والحكم بين الناس غير شاملة للقضاء على الغائب أصلا حتى في الغائب الذي انعقد الاجماع على جواز الحكم عليه لان ظاهرها القضاء والفصل المنجز الغير المراعى وهذا غير جار في الغائب وهذا معنى ما ذكرنا في أول المسألة من أن القضاء على الغائب مخالف للقاعدة المستفادة من عمومات القضاء هذا كله في الأخبار الواردة في باب القضاء بقول مطلق وأما ما ورد في القضاء على الغائب فبأنه منصرف إلى غير الحاضر في البلد فلا إطلاق له يشمله.
توضيح ذلك أن الغيبة والحضور وإن كانا من الأمور الإضافية فيمكن أن يلاحظا بالنسبة إلى المجلس والبلد وغيرهما إلا أن لفظ الغائب بقول مطلق ينصرف إلى الغائب عن البلد وهذا واضح لكل من شاهد الوجدان وراجع إلى الاستعمالات العرفية.