هذا مضافا إلى أن في أخبار القضاء على الغائب ما يوجب ظهورها فيما ذكرنا كقوله (عليه السلام) يباع ماله ويقضى دينه والغائب على حجته إذا قدم فإن في هذه الفقرات دلالة على ما ذكرنا بما لا يخفى على المتأمل ومن له ذوق سلمنا عدم انصرافه إليه وشموله للحاضر في البلد الغائب عن مجلس الحكم لكن ما نذكره من الأخبار الدالة على عدم القضاء إلا بعد السؤال عن المدعى عليه فيما أمكن بحسب العادة مقيدة لاطلاقه فيجب رفع اليد عنه بناء على ما تقرر في الأصول من وجوب حمل المطلق على المقيد وأما رواية هند زوجة أبي سفيان فقد عرفت عدم دلالتها على أصل القضاء على الغائب فضلا عن المقام وأما حديث لزوم الضرر وإبطال الحقوق فللمنع من لزومها أولا وثانيا سلمنا لزومهما في بعض الموارد ولكن لا دليل على ايجابه جواز القضاء بعد كونه مخالفا للأصل لأنه مبني على لزوم الضرر وإبطال الحق غالبا وفي أكثر الموارد وثالثا سلمنا قيام الدليل على ايجابه الحكم في مورد وجوده لكنه لا يلزم منه الاطراد كما هو المدعى لان الضرر في المقام على تقدير تسليم لزومه ليس غالبيا حتى يوجب الاطراد بناء على القول بايجاب الضرر الغالبي لذلك حسبما هو المعروف بينهم.
هذا ملخص القول في أدلة ما ذهب إليه الأكثر والجواب عنه وأما ما ذهب إليه يحيى بن سعيد فلم نقف على من ذكر مستندا له في قوله ويمكن أن يكون دعوى انصراف لفظ الغائب إليه بملاحظة ان الشارع رتب كثيرا من الاحكام عليه وفيها ما لا يخفى على الجاهل فضلا عن العالم وأما ما يدل على المختار مضافا إلى الأصل الذي قد عرفت الأصل له تعليله (عليه السلام) فيما ورد في عدم جواز القضاء على الحاضر في مجلس القضاء إلا بعد السؤال بقوله فإنك إذا فعلت ذلك كما في بعضها أو ما يقرب منه كما في بعضها الآخر فإن المستفاد منه مطلوبية عدم القضاء إلا بعد السؤال في كل مقام أمكن عادة وعرفا وان هذا هو طريق قطع المنازعات ودفع المرافعات لا يجوز التعدي (التخطي خ) عنه في كل مورد أمكن فالعلة بعمومها تدل على الحكم في المقام.
والحاصل ان تلك الروايات تدل بملاحظة العلة المنصوصة على أن ميزان القضاء في كل مورد أمكن سؤال الخصم هو وجوب السؤال وعدم الحكم قبله.
لا يقال إن العلة المذكورة في الروايات ظاهرة في الاستحباب فلا بد من حملها على الحكمة فلا يجوز التعدي عن موردها وهو القضاء على الحاضر لأنا نقول لا مقتضى لحمل العلة على الحكمة لان ظهور اللفظ في الاستحباب بعد قيام الاجماع على عدم ارادته منه وان المراد منه الوجوب لا يقتضيه أصلا كما لا يخفى فتأمل في المقام هذا.
ثم إني وقفت بعدما كتبت ما ترى إلى (على خ) دليل آخر تمسك به بعض الأساطين للقول المشهور وهو الاجماع المنقول المعتضد بالشهرة المحققة بل عدم الخلاف في المسألة وهو كما ترى لأنا لم نقف على من نقل الاجماع في المسألة بحيث يشمل المقام ممن يعتد بنقله وعلى فرض تسليم النقل يمكن القول بعدم اعتباره في المقام بملاحظة ما ذكرنا من تفصيل القول في اعتباره في الأصول فراجع وتأمل هذا مجمل القول في الموضع الثالث.
وأما الكلام في الموضع الرابع وهو المدعى به فنقول انه لا يخلو إما أن يكون من حقوق الناس كالديون والعقود والايقاعات والاحكام أو من حقوق الله تعالى كالزنا واللواط ونحوهما مما يترتب عليه حق الله تعالى أو منهما كالسرقة المترتبة عليها العزم والقطع فإن كان من الأول فلا إشكال بل لا خلاف في كونه مورد المسألة القضاء على الغائب بل الاجماع عليه من الفريقين لأنه متيقن الدخول فيها وإن كان من الثاني في إشكال بل لا