في سائر الروايات أيضا فإن الظاهر من جميعها هو اليمين التي جعلت في أصل الشرع ميزانا لرفع الخصومة وهي يمين المنكر ولا دلالة فيها بالنسبة إلى يمين المدعي أصلا فيبقى عموم ما دل على جواز التقاص وتسلط الناس على أموالهم سالما عن حكومة شئ عليه فتدبر ثم إن هذا الذي ذكرنا في يمين المدعي من عدم كونها كيمين المنكر إنما هو بالنسبة إلى غير سقوط الدعوى والمطالبة ظاهرا وغيرهما من أحكام بقاء الدعوى وأما بالنسبة إليها فلا إشكال في كونها كيمين المنكر للنص والاجماع.
ثانيها ان ما ذكرنا من أحكام اليمين فإنما هو إذا وقعت عند حاكم الشرع وأما إذا لم تقع عنده بل حلف بنفسه أو أحلفه حاكم الجور فلا أثر لها أصلا لاختصاص ما دل على ثبوت الاحكام لها بما إذا وقعت عند حاكم الشرع مضافا إلى قيام الاجماع ونقله ودلالة جملة من الروايات على عدم التأثير لها عند غير حاكم الشرع ولا شئ في المقام يدل على خلافها إلا إطلاق بعض الروايات كقوله (صلى الله عليه وآله) من حلف لكم الحديث ونحوه الموهون بما ذكرنا وبكونه واردا في مقام قضية مهملة وبيان حكم اليمين من حيث هي وخصوص رواية عبد الله بن وضاح المتقدمة حيث فرض فيها وقوع الحلف عند حاكم الجور وأمضاه الإمام (عليه السلام) ورتب الاحكام عليه المحمولة أما على كون المراد من الوالي هو الوالي من جانب الإمام (عليه السلام) أو على أن مراد الإمام (عليه السلام) هو بيان الحكم لليمين المعتبرة شرعا حتى يعلم السائل بذلك وعدم تعرضه لبيان عدم تأثير اليمين المذكورة إنما هو من جهة التقية إلى غير ذلك من الوجوه وهذه المحامل التي ذكرنا وإن كانت بعيدة غير ظاهرة من اللفظ بل ظاهره يدل على خلافها إلا أنه لا بد من الالتزام بها في مقابل الأدلة القطعية فافهم.
ثالثها انه على القول باشتراط وقوع اليمين عند حاكم الشرع وإن الواقعة عند غيره لا أثر لها أصلا فهل يكفي وقوعها عند الحاكم في ترتيب الأحكام المذكورة وإن لم يحكم على طبقها أو لا يكفي إلا بعد حكمه على طبقها فمجرد احلافه المنكر قبل حكمه لا أثر له وجهان بل قولان تقدم الإشارة إليهما سابقا وقد عرفت أن المختار هو عدم الاشتراط والكفاية مطلقا نظرا إلى ظهور اخبار الباب.
رابعها انه قد يتوهم التناقض بين ما ذكروه هنا من عدم جواز التقاص بعد يمين المنكر قولا واحدا وبين ما ذكره جماعة فيما إذا اختلف البايع والمشتري في الثمن بحيث يرجع إلى المتباينين كما إذا قال البايع بعتك الجارية بمئة دينار مثلا وقال المشتري بعتني بمئة درهم أو المثمن كما إذا قال البايع بعتك العبد بمئة دينار وقال المشتري اشتريت منك الجارية بمئة دينار من أنه يتحالفان وينفسخ العقد ظاهرا ويأخذ كل من البايع والمشتري المثمن والثمن تقاصا فإن أخذ البايع العبد في المثال المذكور عوضا عما يدعيه من مئة دينار تقاصا مناف لحكمهم قولا واحدا بعدم جواز التقاص بعد الحلف وكذا أخذ المشتري للثمن الذي يعتقد كونه مالا للمدعي تقاصا مناف لما دل عليه الاخبار وقام عليه الاجماع من عدم جواز التقاص بعد الحلف نعم لو قيل بالانفساخ واقعا قهرا كما هو قول بعض أو قيل بأنه يجبرهما الحاكم بعد التحالف على - الفسخ أو يفسخ العقد بعد التحالف كما هو قول آخر لم يرد إشكال أصلا كما لا يخفى لرجوع كل من الثمن والمثمن على هذين التقديرين إلى صاحبه فيكون تصرفه في ماله لا في مال غيره من باب التقاص وهذا بخلاف الانفساخ الظاهري لان معناه بقاء الثمن على ملك البايع والمثمن على ملك المشتري لكن يتصرف كل منهما في ملك صاحبه تقاصا وهذا كما ترى مناف لما اجمعوا عليه من عدم جواز التقاص من مال المنكر بعد الحلف والمفروض ان كلا من المشتري والبايع في المثال المذكور منكر لما يدعيه الآخر هذه خلاصة ما ذكره الأستاذ العلامة دام ظله