شئ آخر فإنه لا إشكال في كون الاقدام على اليمين للشخص أسهل من إقامة البينة.
لا يقال كيف تقول ان الاقدام باليمين أسهل للناس مع أنا نرى بالوجدان ان الاقدام باليمين لكثير منهم أصعب من كل شئ.
لأنا نقول أولا كون الاقدام بها مشكلا أو أشكل من البينة لبعض الناس لا ينافي كونها بالنوع أسهل من البينة لأكثر الناس ألا ترى ان كثيرا من الناس يحلفون بمجرد الادعاء عليهم من دون طلب اليمين منهم أصلا وثانيا نمنع أصعبية الامر بالنسبة إلى اليمين بقول مطلق لجميع الناس نظرا إلى ملاحظة اليمين مع قطع النظر عن الشرع وأما ما يترائى من صعوبة الاقدام عليها فإنما هو من جهة عظم الحلف بالله واحترامه في الشرع لا بالنظر إلى ذات اليمين وإلا فالقاطع بصدق ما يدعيه لا يتابى عن اليمين أصلا وكلامنا إنما هو في إثبات التخفيف والتشديد مع قطع النظر عن ملاحظة الشرع ثانيها ملاحظة تعليلات الأصحاب في الموارد التي يكتفى من المدعي باليمين بأنه لو لم يكتف منه لزم إبطال دعواه في أكثر الأوقات من جهة عسر إقامة البينة عليه أو انسداد باب قبول الأمانات لو كلف الأمين المدعي للتلف بالبينة إلى غير ذلك. فإن من لاحظها وتأمل فيها يقطع بكون اليمين عندهم مبنية على التخفيف ثالثها ملاحظة الأخبار الواردة في سماع اليمين من المدعي في المواضع المخصوصة كما إذا كان أمينا فأن أكثرها معللة بما ذكره الأصحاب رابعها الأخبار الواردة في القسامة فإن من لاحظها يقطع بكون الاكتفاء باليمين في كل مورد يكتفى بها من جهة التخفيف وهي كثيرة جدا معلومة لمن راجع ذلك الباب إلا أنا نذكر بعضها لتوضيح الامر وهو رواية زرارة ان الله حكم في دمائكم بغير ما حكم به في أموالكم حكم في أموالكم ان البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه وحكم في دمائكم ان البينة على من ادعى عليه واليمين على من ادعى لكيلا يطل دم امرإ مسلم ولا يخفى عليك ان فيها دلالة ظاهرة على كون الاكتفاء باليمين من جهة التخفيف من جهتين إحديهما التعليل الذي في ذيلها وهو قوله لكيلا يطل دم امرإ مسلم وهو موجود في كثير من اخبار الباب ثانيتها قيام الاجماع على سماع البينة من المدعي في المقام أيضا فتدل على كون الاكتفاء باليمين من جهة التخفيف وأنت إذا تأملت هذه الرواية حق التأمل تجدها دالة على سماع البينة من المنكر أيضا سيما بملاحظة الاجماع المذكور فإنه إذا كان الاكتفاء باليمين من المدعي في المقام من جهة الرخصة لا العزيمة وانحصار وظيفته فيها كان الاكتفاء بها في عكسه أيضا وهو ما نحن فيه كذلك لقضية التعاكس فيندفع به ظهور المدعى من قوله البينة على المدعي الحديث من جهة التعريف أو التفصيل في عدم سماع البينة من المنكر وهذا الذي ذكرنا أمر واضح لمن له أدنى تدبر فتدبر.
ثم إن هنا أيضا روايات تؤيد ما ذكرنا من كون الاكتفاء باليمين من المنكر من جهة الرخصة والتخفيف لا العزيمة والتعيين لا بأس بالإشارة إلى جملة منها.
منها ما رواه في الوسائل عن العيون من تعليل الإمام (عليه السلام) الاكتفاء باليمين من المنكر بأنه جاحد ولا يمكنه إقامة البينة فإن هذا كما ترى صريح في كون الاكتفاء منه باليمين من جهة رفع الصعوبة عنه ثم أقول إن من التأمل في الرواية ينفتح باب آخر للجواب عن قوله البينة على المدعي من غير أن يستلزم تصرفا في ظهوره أصلا بل يكون عملا بحسب ما يظهر منه من الحصر توضحيه ان الظاهر من التعليل بقوله لأنه جاحد ان المنكر من حيث انكاره وجحوده يكتفى منه باليمين فلو كان لانكاره ثبوتية تسمع البينة بالنسبة إليها لأنه في الحقيقة بالنسبة إليها يكون مدعيا فإذا اختلف المؤجر والمستأجر في إجارة الدار مثلا فقال المؤجر انها عشرة دنانير