ولكن يمكن أن يورد عليه بأن مقتضى الحصر في الأدلة وإن كان عدم الحكم باليمين المردودة وانحصار الحجة للمدعي في البينة إلا أنا نخرج عن ذلك الحصر بما دل على الاكتفاء باليمين المردودة ونخصصه به وبعبارة أخرى مقتضى التأمل في أدلة الباب وإن كان عمومها لكل مورد وانه ليس مورد يكتفى عن المدعي بغير البينة إلا أن ما دل على الاكتفاء باليمين في صورة رد المدعي أخص من تلك الأدلة فجيب تخصيصها به على ما هو الشأن في تعارض العام والخاص ولا داعي إلى ارجاعه إلى التنزيل والحكومة حتى يخرج عن التعارض ويبقى الحصر على حاله وإلا لوجب المصير إلى ذلك في جميع صور تعارض العموم والخصوص هذا مضافا إلى أن الخروج عن هذا الحصر لازم عليهم على كل تقدير لأنه قد ثبت باتفاق منهم في يمين المدعي فيما يكتفى منه بها وحدها كما فيما لا يعلم إلا من قبله وكما إذا كان أمينا إلى غير ذلك وفي نكول المنكر على القول به وفي نكول المدعي على تقدير مع أنه لم يذكر أحد منهم في شئ من المذكورات أنها كالبينة أو كالاقرار مع أن ما ذكره الأستاذ من الوجه جار في الكل والقول باتفاقهم على كون المذكورات ملحقة بالبينة كما ترى وأما قياس ما ذكرنا على مسألة التحليل فليس في محله أصلا كما لا يخفى.
لا يقال إن المصير إلى الحكومة والتنزيل ليس بمجرد ملاحظة العموم والحصر بل من جهته مع ملاحظة ما دل على الاكتفاء باليمين المردودة مثل قوله استخراج الحقوق بأربعة الحديث فإن ظاهره سيما بملاحظة كون ثلاثة منها تفصيلا للبينة حسبما صرح به في الرواية كونها واردة في بيان تفصيل ما على المدعي من البينة وإن كان على وجه الحكومة وبعبارة أخرى منافاة تلك الرواية لما دل على انحصار الحجة في حق - المدعي في البينة إنما هي بملاحظة تضمنها للفظ الأربعة وبعد تسليم كون ثلاثة منها بيانا لها لا بد من حملها على التنزيل بالنسبة إلى اليمين أيضا.
لأنا نقول أما أولا فلانه ليس ما يدل على الاكتفاء باليمين منحصرا فيما ذكر بل عمدة ما في المقام غيره ولا يخفى عدم جريان ما ذكر في الرواية في غيرها وأما ثانيا فبمنع ما ذكره على ما ذكره أيضا وما استشهد به من دلالته على ما ذكر لا دلالة له أصلا بل دلالته على خلافه أظهر لان ذكر اليمين بعد كون ذكر ما تقدمها تفصيلا للبينة يدل على عدم كونها تفصيلا للبينة فالاستدلال بما دل بظاهره على الحصر ضعيف للزوم رفع اليد عنه بما دل على الاكتفاء باليمين المردودة.
لا يقال كيف تصير إلى رفع اليد عن ظهور اللفظ بعد إمكان عدم رفع اليد عنه وإبقائه على حاله بتنزيل اليمين منزلة البينة أو الاقرار.
لأنا نقول حمل ما دل على الاكتفاء باليمين المردودة في قبال ما دل على حصر الحجية في حق المدعي بالبينة على التنزيل الموضوعي أيضا خلاف الظاهر بل ظهوره حاكم على ظهور ما دل على الحصر ومقدم عليه فيجب الاخذ به وطرح ما دل بعمومه على الحصر ولولا ذلك لزم سد باب التخصيص في جميع الموارد فإنه إذا ورد مثلا لا تكرم أحدا إلا العالم وورد دليل آخر أكرم زيدا الجاهل نقول إن ظهور قوله لا تكرم أحدا إلا العالم في الحصر يصير قرينة وسببا لرفع اليد عن ظهور قوله أكرم زيدا الجاهل وتنزيله منزلة العالم حتى لا يلزم خروج عن الحصر إلى غير ذلك من الأمثلة التي لا أظن أن يلتزم أحد بما ذكر فيها نعم لو ورد عام وورد دليل آخر يحتمل كونه مخصصا له وعدمه كما في قوله أكرم العلماء ولا تكرم زيدا وفرض اشتراكه بين العالم والجاهل نلتزم من جهة الاخذ بعموم أكرم العلماء وابقائه على ظاهره بكون المراد من قوله لا تكرم زيدا هو الجاهل