وإن كان من جهة الملازمة بينهما فيمكن أن يقال فيه بما قلنا في القسم الأول فنقول ان الحكم بتحقق الملزوم معناه الحكم بتحقق لازمه وكذا الحكم بتحقق اللازم معناه الحكم بتحقق ملزومه ويمكن أن يلتزم فيه بالاحتياج إلى اليمين أيضا لكن يرد عليه حينئذ ما ذكر من الاشكال من لزوم كون البينة حينئذ لغوا فتأمل.
ومنها ما روي أنه لو ادعى الحمال انه انخرق الزقاق وذهب منه الزيت لا يسمع منه تلك الدعوى و يجب عليه إقامة البينة عليها معللا بما حاصله انه لو لم يكلف بالبينة واكتفى منه باليمين لانجر إلى تلف أموال الناس كثيرا لأنه يدعي كل حمال حينئذ انه انخرق الزقاق ودلالته على كون الامر في طرف البينة مبنيا على التشديد وفي اليمين على التخفيف واضحة لأنه يدل على أن عدم الاكتفاء باليمين منه مع كونه أمينا من جهة تشديد الامر عليه بتكليفه بإقامة البينة حتى لا ينجر إلى تلف أموال الناس كثيرا إلى غير ذلك من الروايات الواقف عليها المتتبع في كتب الاخبار هذا كله بالنظر إلى عدم دلالة البينة على المدعي واليمين على من أنكر على الحصر المذكور.
وأما عدم دلالة خبر منصور على ما ذكرنا من الحصر وعدم سماع البينة من المنكر واليمين من - المدعي مضافا إلى عدم صحة سنده وموافقته لما نقل عن ابن حنبل فبأن المراد من قوله (عليه السلام) لا أقبل من الذي هي في يده بينة انه لا يقبل منه عند التعارض وإقامة المدعي البينة على طبق ما يدعيه لا أنه لا يقبل منه البينة و إن لم يكن هناك بينة من المدعي أصلا فالرواية دليل على تقديم بينة الخارج على الداخل كما هو المشهور لا على عدم سماع بينة الداخل وإن لم يكن في مقابلها بينة الخارج هذا ولكن الانصاف ظهورها في المدعى سيما بملاحظة التعليل والتفريع بقوله فإن كانت له بينة الخ فالأولى رده بالقدح في سنده كما صنعه جماعة هذا بالنسبة إلى خبر منصور وأما ما ذكر من الخبر أخيرا فمعلوم أنه لا دلالة له أصلا هذا.
فالانصاف ان القول بسماع البينة من المنكر لا يخلو عن وجه بالنظر إلى ما ذكرنا سيما بملاحظة فتوى جمع من الأصحاب في كثير من الفروع بسماعها منه من غير إشكال فيه لا يخفى لمن راجع إلى كتبهم قال الشهيد الثاني في هامشه على قول المصنف فيما سيأتي إذا اتفقا على استيجار دار معينة الخ ما هذا لفظه إذا اتفق المؤجر والمستأجر على استيجار الدار المعينة مثلا ومدة الإجارة واختلفا في قدر الأجرة فادعى المؤجر انها عشرة دنانير مثلا وادعى المستأجر انها خمسة فلا يخلو إما أن لا يقيم كل واحد بينة على مدعاه أو يقيماها أو يقيمها أحدهما خاصة إلى أن قال وأما الأخيرة فحكمها واضح لان من أقام البينة حكم له دون الآخر انتهى وهذا كما ترى صريح في سماع البينة من المنكر لان مدعي الخمسة في المثال منكر قطعا بل صريح في وضوح الامر في سماعها من المنكر وهذا الكلام ليس مختصا به بل ذكره غيره أيضا فراجع إلى كلماتهم في هذا الفرع وراجع إلى ما ذكروا أيضا في كتاب الغصب من أنه لو ادعى الغاصب تلف المال المغصوب فإن جماعة ذكروا انه يسمع قوله مع يمينه معللا ذلك بأنه لو لم يكتف منه باليمين لزم خلوده في الحبس وأورد عليهم جماعة أخرى بالنقض بما لو أقام المالك بنية على البقاء فإن لازمه أيضا الخلود في الحبس وأجابوا عنه بأن البينة مثبتة للبقاء كما لو علم ببقائه فلا يضر معها الالزام بحبسه حتى يخرج من الحق فإن في هذا الايراد والجواب دلالة ظاهرة على ما ذكرنا من سماع البينة من المنكر بل يدل هذا الفرع على كون السماع من المسلمات بينهم وإلا لما أوردوا بالايراد المذكور ولما أجابوا عنه بالجواب المزبور لان الجواب بعدم سماع البينة من المالك لكونه منكرا