عنهم، لان الوفاء لهم خيانة لعقيدتهم ومبدأهم وايمانهم، الذي يبذلون أرواحهم في سبيل الحفاظ عليه.
وأما المنافقون منهم فلم يتمكنوا من نصرهم، بسبب ما قذف الله في قلوبهم من الرعب، وكون ذلك سوف يتسبب لهم بانشقاقات وخلافات داخلية. وأقصى ما استطاع ابن أبي أن يقدمه لهم، هو أن يمنع من استئصالهم، مع الاكتفاء باجلائهم إلى مناطق بعيدة لن يمكنهم الصمود فيها أكثر من سنة، وليواجهوا من ثم الفناء والهلاك.
وأما لماذا لم يهب اليهود لنصرة بني قينقاع، فان ذلك يرجع إلى أنه قد كان بينهم وبين سائر اليهود عداوة، وذلك لان اليهود كما قال ابن إسحاق: (كانوا فريقين، منهم بنو قينقاع ولفهم (1)، حلفاء الخزرج، والنضير وقريظة ولفهم حلفاء الأوس، فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب، خرجت بنو قينقاع مع الخزرج، وخرجت النضير وقريظة مع الأوس يظاهر كل من الفريقين حلفاءه على اخوانه، حتى يتسافكوا دماءهم بينهم. وبأيديهم التوراة يعرفون فيها ما عليهم وما لهم، والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان: لا يعرفون جنة، ولا نارا، ولا بعثا، ولا قيامة، ولا كتابا، ولا حلالا، ولا حراما.
فإذا وضعت الحرب أوزارها افتدوا أساراهم، تصديقا لما في التوراة، وأخذ به بعضهم من بعض، يفتدي بنو قينقاع من كان من أسراهم من أيدي الأوس، وتفتدي النضير وقريظة ما في أيدي الخزرج منهم، ويطلون ما أصابوه من الدماء وقتلى من قتلوا منهم فيما بينهم، مظاهرة لأهل الشرك عليهم) (2).