إلى الله كنسبة المسيح إليه. إن اللاهوت اتحد بالناسوت في الامام وإن النبوة والرسالة لا تنقطع أبدا فمن اتحد به اللاهوت فهو نبي وتحت التشيع ظهر القول بتناسخ الأرواح وتجسيم الله والحلول ونحو ذلك من الأقوال التي كانت معروفة عند البراهمة والفلاسفة والمجوس من قبل الاسلام.
ونقول: مما يؤسف له غاية الأسف أن جماعة من الناس جعلوا دينهم انتقاص اخوانهم الشيعة بالأباطيل فتارة ينسبون إليهم ما هم منه بريئون ويتشبثون في ذلك بالاستنباطات البعيدة والتخرصات الكاذبة وتارة يحشرون معهم فرق الغلاة الذين تبرأ منهم الشيعة وتارة كما تعلمه مما مر ويأتي، ولا تمضي فترة من الزمان إلا ويظهر علينا شئ من هذا القبيل، ونحن معهم كما يحكى عن رجل كان يبغض زوجته ويتحين الفرص ليجد منها شيئا يتجنى عليها به فقال لها يوما اطبخي لي حلوا فطبخت فقال اطبخي حامضا فطبخت فقال افرشي لي جوا ففرشت فقال لي افرشي لي برا ففرشت فلما رأى أنها لم تخالفه في شئ ليتجنى عليها به نظر إلى السماء فرأى نهر المجرة ويسميه العامة درب التبان لأن فيه ما يشبه التبن المنثور فقال لها يا عدية نفسها فرشت لي تحت درب التبان وهذا التبن قد وقع في عيني فقالت له: حلوا وحامضا طبخت لك. وجوا وبرا فرشت لك أما درب التبان فما حسبته لك. ونحن إذا قلنا لهؤلاء إننا مسلمون موحدون مقرون بما جاء به محمد ص من عند ربه قالوا إن فرقة من الناس يعتقدون في إمامكم الذي تنتسبون إليه إنه إله كما تعتقد النصارى ذلك في المسيح فنقول لهم فما ذنبنا نحن؟ وهكذا كلما أجبناهم عن أمر جاءوا بغيره وقلد اللاحق السابق بدون تمحيص ولا مراقبة لله تعالى إلى أن انتهت النوبة إلى الأستاذ أحمد أمين في هذا العصر فجاءنا بما سمعت من الدعاوى المجردة التي قلد في أكثرها غيره ولم يأتوا عليها ببينة ولا برهان.
وفي كلامه هذا الذي نقلناه مواقع للنظر أولا جعله التشيع مأوى يلجا إليه من يريد هدم الاسلام يجعل الذنب في ذلك على صاحب الرسالة وحاشاه فقد عرفت في البحث الرابع أن باذر بذرة التشيع الأول هو صاحب الرسالة ص، بما كان ينوه به من فضله، مثل أنت مني بمنزلة هارون من موسى وغيره. فهل كان رسول الله ص بما ألقاه من بذر التشيع في القلوب أراد هدم الاسلام.
ثانيا قد عرفت في البحث الأول أن التشيع وجد في عهد رسول الله ص وإن لفظ الشيعة كان لقب أربعة سلمان وأبي ذر والمقداد وعمار وعرفت في البحث الثاني أن عددا عظيما من الصحابة من بني هاشم وغيرهم كانوا من الشيعة فهل كان تشيع هؤلاء الأربعة مأوى يلجا إليه من أراد هدم الاسلام وإدخال التعاليم المذكورة فيه والنبي ص يقول سلمان منا أهل البيت. ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر. أمرني ربي بحب أربعة من أصحابي وأخبرني أنه يحبهم علي والمقداد وسلمان وأبو ذر. أخرجه الترمذي وابن ماجة ورواه في الاستيعاب. وفي الإصابة سنده حسن. عمار جلدة ما بين عيني. أو كان تشيع العدد العظيم من الصحابة من بني هاشم وغيرهم مأوى يلجا إليه من أراد هدم الاسلام أو هم أرادوا هدم الاسلام وإدخال التعاليم المذكورة فيه وهم من إجلاء الصحابة وبهم قام الاسلام.
ثالثا قد عرفت في البحث الثاني أن التشيع فشا في التابعين وتابعي التابعين وستعرف في البحث التاسع عند ذكر طبقات المحدثين اعتراف الذهبي بان التشيع فشا في الفريقين وأنه لو رد حديثهم لذهب جملة الآثار النبوية فهل يمكن أن يكون هؤلاء أرادوا هدم الاسلام وتشيعهم مأوى لمن أراد هدمه وإدخال تلك التعاليم فيه وهم حملة الآثار النبوية بحيث لو رد حديثهم لذهب جملتها باعتراف الحافظ الذهبي.
رابعا لا يمكن أن يكون الذين يزعم أنهم أرادوا هدم الاسلام وإدخال تلك التعاليم فيه هم الشيعة الذين جاءوا بعد ذلك فإنهم حفظوا الدين الاسلامي وألفوا في جميع فنون الاسلام وسبقوا الناس إلى التأليف في جملة منها ودرسوها وعلموها الناس: من علم الكلام والتفسير والقراءة والحديث والأصولين والفقه والأخلاق وغيرها في كل عصر وزمان إلى اليوم بدون فصل ولا انقطاع وسيأتي ذكر أسماء كثير من مؤلفيهم ومؤلفاتهم في البحث التاسع ففي أي عصر وزمان كان التشيع مأوى يلجا إليه كل من أراد هدم الاسلام لعداوة أو حقد؟ كلا بل ليس الحامل على هذا الكلام إلا العداوة للشيعة والحقد أو الجهل.
خامسا الحق أن منابذة علي وشيعته هو الذي كان مأوى يلجا إليه من أراد هدم الاسلام لعداوة أو حقد أو حسد. ولو اتسع لنا المجال لبينا له من هم الذين أرادوا هدم الاسلام لعداوة أو حقد بما قتل سيف الاسلام من آبائهم وأجدادهم يوم بدر وغيره ومن هم الذين أرادوا هدم الاسلام حسدا لأهل البيت بما رأوا من فضائلهم وميل الناس إليهم.
سادسا الحق أن التشيع هو الذي حفظ البقية الباقية من دين الاسلام وكان مأوى يلجا إليه من أراد اتباع الاسلام الكامل ونثبت هذا بأجلى بيان وأقوى برهان. كانت السياسة ولم تزل في كل عصر وزمان تستعين بالدين لأنها وجدت منه أقوى معين فالمرء قد يسمح بدمه ولا يسمح بدينه وقد رأى طلاب الملك والامارة من الأمويين والعباسيين ميل الناس إلى العلويين لما كان لهم من الفضل في أنفسهم وما كان من تنويه النبي ص بفضلهم والوصاية بالتمسك بحبلهم فجهدوا في تنفير الناس عنهم. أما الأمويون فتارة باللعن على المنابر عشرات السنين وأخرى بالمنع من الرواية عنهم واتباع مذهبهم بل من أن يسمى أحد باسمهم وثالثة ببذل الأموال لمن يختلق لهم الأحاديث في ذمهم ومدح أعدائهم ورابعة بمنع الحقوق والأذى وغير ذلك. وأما العباسيون فعمدوا إلى نحو ذلك ومنعوا الناس من اتباع مذهبهم والرواية عنهم وقربوا من يعاديهم وأبعدوا من يواليهم وحملوا الناس على اتباع من يخالفهم وقربوا من الفقهاء من يخالفهم فعمل بالرأي والاجتهاد وكثرت الفتاوى والآراء ولا سيما لما دخل في المآخذ القياس والاستحسان والمصالح المرسلة والميل إلى هوى الأمراء والملوك حتى أنه في زمن بني العباس أفتي في مسالة واحدة اثنتا عشرة فتوى متخالفة وكان ذلك سببا في منع الاجتهاد وحصر المذاهب في أربعة.
أما أئمة أهل البيت ع فكانت مذاهبهم مأخوذة عن آبائهم عن أجدادهم عن النبي ص فكانت أقرب المذاهب إلى الصواب وحفظ بها القسم الأعظم من أحكام الاسلام.
الرجعة سابعا قوله فاليهودية ظهرت في التشيع بالقول بالرجعة الذي قلد فيه من قبله ممن يريدون التضليل. باطل حملت عليه العداوة وقلة الخوف من الله تعالى.