ثم حمل وحمل الناس خلفه فطحن عسكر البصرة. قيل لمحمد لم يغرر بك أبوك في الحرب ولا يغرر بالحسن والحسين فقال إنهما عيناه وانا يمينه فهو يدفع عن عينيه بيمينه ثم دفع الراية إلى محمد وقال امح الأولى بالأخرى وهذه الأنصار معك وضم إليه خزيمة بن ثابت ذا الشهادتين في جمع من الأنصار كثير من أهل بدر وحمل حملات كثيرة أزال بها القوم عن مواقفهم وابلى بلاء حسنا فقال خزيمة بن ثابت لعلي ع اما أنه لو كان غير محمد اليوم لافتضح ولئن كنت خفت عليه الجبن وهو بينك وبين حمزة وجعفر لما خفناه عليه وإن كنت أردت أن تعلمه الطعان فطالما علمته الرجال وقالت الأنصار يا أمير المؤمنين لولا ما جعل الله تعالى للحسن والحسين ما قدمنا على محمد أحدا من العرب فقال علي ع أين النجم من الشمس والقمر اما أنه قد أغنى وابلى وله فضله فقال خزيمة بن ثابت فيه:
- محمد ما في عودك اليوم وصمة * ولا كنت في الحرب الضروس معودا - - أبوك الذي لم يركب الخيل مثله * علي وسماك النبي محمدا - - فلو كان حقا من أبيك خليفة * لكنت ولكن ذاك ما لا يرى ابدا - - وأنت بحمد الله أطول غالب * لسانا وأنداها بما ملكت يدا - - وأطعنهم صدر الكمي برمحه * وأكساهم للهام عضبا مهندا - - سوى أخويك السيدين كلاهما * امام الورى والداعيان إلى الهدى - - أبي الله أن يعطي عدوك مقعدا * من الأرض أو في اللوح مرقى ومصعدا - وحملت مضر الكوفة فاجتلدوا قدام الجمل ومع علي قوم من غير مضر منهم زيد بن صوحان طلبوا ذلك منه فقال لزيد رجل من قومه: تنح إلى قومك ما لك ولهذا الموقف أ لست تعلم أن مضرا بحيالك والجمل بين يديك وأن الموت دونه فقال الموت خير من الحياة، الموت أريد، فأصيب هو واخوه سيحان وارتث اخوهما صعصعة واشتدت الحرب فلما رأى ذلك علي بعث إلى اليمن وإلى ربيعة إن اجتمعوا على من يليكم، قال القعقاع: لقد رأيتنا يوم الجمل ندافعهم بأسنتنا ونتكي على أزجتنا وهم مثل ذلك حتى لو أن الرجال مشت عليها لاستقلت بهم وقال آخر لما كان يوم الجمل ترامينا بالنبل حتى فنيت وتطاعنا بالرماح حتى تشبكت في صدورنا وصدورهم، ثم قال علي: السيوف يا أبناء المهاجرين فما شبهت أصواتها الا بصوت القاصرين وتزاحفت الناس وظهرت يمن البصرة على يمن الكوفة فهزمتهم، وربيعة البصرة على ربيعة الكوفة فهزمتهم، ونهد علي بمضر الكوفة إلى مضر البصرة وقال: إن الموت ليس منه فوت يدرك الهارب ولا يترك المقيم، وهذه من الكلمات الجليلة الخالدة. ثم عاد يمن الكوفة فقتل على رايتهم خمسة عشر من همدان وخمسة من سائر اليمن فلما رأى ذلك يزيد بن قيس اخذها فثبتت في يده. وقال ابن أبي نمران الهمداني من أصحاب علي ع وهو يقاتل:
- جردت سيفي في رجال الأزد * اضرب في كهولهم والمرد - - كل طويل الساعدين نهد - ورجعت ربيعة الكوفة فاقتتلوا قتالا شديدا فقتل على رايتهم اثنان واشتد الأمر فلما رأى الشجعان من مضر الكوفة والبصرة الصبر تنادوا طرفوا إذا فرع الصبر، فجعلوا يقصدون الأطراف: الأيدي والأرجل، فما رئي وقعة كانت أعظم منها قبلها ولا بعدها ولا أكثر ذراعا مقطوعة وكان الرجل منهم إذا أصيب شئ من أطرافه استقتل إلى أن يقتل. ونظرت عائشة من على يسارها فقالت من القوم؟ قال صبرة بن شيمان بنوك الأزد، فقالت يا آل غسان حافظوا اليوم فجلادكم الذي كنا نسمع به وتمثلت:
- وجالد من غسان أهل حفاظها * وكعب وأوس جالدت وشبيب - فكان الأزد يأخذون بعر الجمل يشمونه ويقولون بعر جمل أمنا ريحه ريح المسك وقالت لمن عن يمينها من القوم؟ قالوا بكر بن وائل قالت لكم يقول القائل:
- وجاءوا إلينا في الحديد كأنهم * من الغرة القعساء بكر بن وائل - إنما بازائكم عبد القيس تحرضهم بذلك لأن عبد القيس معروفون بولاء علي ع فاقتتلوا أشد من قتالهم قبل ذلك، وأقبلت على كتيبة بين يديها فقالت من القوم؟ قالوا بنو ناجية، قالت بخ بخ سيوف أبطحية قرشية فجالدوا جلادا يتفادى منه وفي رواية انها قالت صبرا يا بني ناجية فاني اعزف فيكم شمائل قريش. وبنو ناجية مطعون في نسبهم فقتلوا حولها جميعا، ثم أطافت بها بنو ضبة فقالت ويها جمرة الجمرات فلما رقوا خالطهم بنو عدي بن عبد مناة وكثروا حولها فقالت من أنتم؟ قالوا بنو عدي خالطنا اخواننا فاقاموا رأس الجمل وضربوا ضربا شديدا، وكره القوم بعضهم بعضا وانضمت مجنبتا علي فصاروا في القلب وكذلك فعل أهل البصرة وتلاقوا جميعا بقلبيهم وقال أصحاب علي ع لا يزال القوم أو يصرع الجمل، واخذ عميرة بن يثري برأس الجمل وكان قاضي البصرة قبل كعب بن سور، فشهد الجمل هو واخوه عبد الله قال علي ع من يحمل على الجمل؟ فانتدب له هند بن عمرو الجملي المرادي وكان خطام الجمل مع ابن يثري فدفعه إلى ابنه واعترض هندا فاختلفا ضربتين فقتله ابن يثري ثم حمل علباء بن الهيثم السدوسي فاعترضه ابن يثري فقتله ثم دعا إلى البراز فقال زيد بن صوحان العبدي يا أمير المؤمنين اني رأيت يدا أشرفت علي من السماء وهي تقول هلم إلينا وانا خارج إلى ابن يثري فإذا قتلني فادفني بدمي ولا تغسلني فاني مخاصم عند ربي ثم خرج فقتله ابن يثري وقتل سيحان بن صوحان وارتث صعصعة ثم رجع إلى خطام الجمل وجعل يرتجز ويقول:
- أرديت علباء وهندا في طلق * ثم ابن صوحان خضيبا في علق - - قد سبق اليوم لنا ما قد سبق * والوتر منا في عدي ذي الفرق - - والأشتر الغاوي وعمرو بن الحمق * والفارس المعلم في الحرب الحنق - - أعني عليا ليته فينا مرق * ذاك الذي في الحادثات لم يطق - وقال ابن يثري:
- انا لمن ينكرني ابن يثري * قاتل علباء وهند الجملي - - وابن لصوحان على دين علي - وقال أيضا:
- اضربهم ولا ارى أبا حسن * كفى بهذا حزنا من الحزن - - انا نمر الأمر امرار الرسن - فبرز إليه عمار وهو ابن تسعين سنة أو أكثر وعليه فرو قد شد وسطه بحبل ليف وهو أضعف من بارزه فاسترجع الناس وقالوا هذا لاحق بأصحابه. فترك الزمام في يد رجل من بني عدي اسمه عمرو بن بجرة وضرب عمارا فاتقاه بدرقته فنشب سيفه فيها فعالجه فلم يخرج وضربه عمار على رجليه فقطعهما فوقع على استه واخذ أسيرا فاتي به إلى علي، فقال