ايمانهم فنهضت من المدينة حين انتهى إلي خبر من سار إليها وجماعتهم وما فعلوا بعاملي عثمان بن حنيف حتى قدمت ذا قار فبعثت الحسن بن علي وعمار بن ياسر وقيس بن سعد فاستنفرتكم بحق الله وحق رسوله ص وحقي فاقبل إلي اخوانكم سراعا حتى قدموا علي فسرت بهم حتى نزلت ظهر البصرة فأعذرت بالدعاء وقمت بالحجة وأقلت العثرة والزلة من أهل الردة من قريش وغيرهم واستتبتهم من نكثهم بيعتي وعده الله عليهم فأبوا الا قتالي وقتال من معي والتمادي في الغي فناهضتهم بالجهاد فقتل الله من قتل منهم ناكثا وولى من ولى إلى مصرهم وقتل طلحة والزبير وخذلوا وأدبروا وتقطعت بهم الأسباب فلما رأوا ما حل بهم سألوني العفو عنهم فقبلت منهم وغمدت السيف عنهم وأجريت الحق والسنة فيهم واستعملت عبد الله بن العباس على البصرة وانا سائر إلى الكوفة إن شاء الله وقد بعثت زحر بن قيس الجعفي لتسألوه فيخبركم عنا وعنهم وردهم الحق علينا ورد الله لهم وهم كارهون والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وروى الكشي في رجاله بسنده والمفيد في الرسالة الكافية بسندين أحدهما من طريق العامة والآخر من طريق الخاصة وابن أبي الحديد في شرح النهج بألفاظ متقاربة قالوا بعث أمير المؤمنين علي ع بعد وقعة الجمل عبد الله بن عباس إلى عائشة يأمرها بتعجيل الرحيل وقلة العرجة. قال ابن عباس فاتيتها وهي في قصر بني خلف في جانب البصرة فطلبت الإذن عليها فلم تأذن فدخلت من غير إذن فإذا بيت قفار لم يعد لي فيه مجلس فإذا هي من وراء ستر فضربت ببصري فإذا في جانب البيت رجل عليه طنفسة فمددت الطنفسة فجلست عليها، فقالت من وراء الستر: يا ابن عباس أخطأت السنة دخلت بيتنا بغير إذننا وجلست على وسادتنا بغير إذننا، فقال لها ابن عباس: نحن أولي بالسنة منك ونحن علمناك السنة وإنما بيتك الذي خلفك فيه رسول الله ص فخرجت منه فإذا رجعت إلى بيتك لم ندخله إلا باذنك ولم نجلس على وسادتك إلا بامرك، إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يأمرك بالرحيل إلى المدينة وقلة العرجة، قالت وأين أمير المؤمنين ذاك عمر بن الخطاب، قال وهذا علي بن أبي طالب، قالت أبيت بيت، قال اما والله إن كان اباؤك فيه إلا قصير المدة عظيم التبعة ظاهر الشؤم بين النكد، وما كان اباؤك فيه إلا حلب شاة حتى صرت ما تامرين ولا تنهين ولا ترفعين ولا تضعين وما كنت إلا كما قال أخو بني أسد:
- ما زال إهداء القصائد بيننا * شتم الصديق وكثرة الألقاب - - حتى تركت كان صوتك بينهم * في كل مجمعة طنين ذباب - قال فبكت حتى سمع نحيبها من وراء الحجاب، ثم قالت اني معجلة الرحيل إلى بلادي والله ما من بلد أبغض إلى من بلد أنتم فيه، قال ولم ذاك؟ وقد جعلناك للمؤمنين اما وجعلنا أباك صديقا، قالت يا ابن عباس تمنون علي برسول الله؟ قال ولم لا نمن عليك بمن لو كان منك قلامة منه مننت به علينا ونحن لحمه ودمه ومنه واليه وما أنت إلا حشية من تسع حشايا فصرت تامرين فتطاعين وتدعين فتجابين: ثم نهضت واتيت أمير المؤمنين ع فأخبرته بمقالتها وما رددت عليها فسر بذلك وقال لي: ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم. وفي رواية: انا كنت اعلم بك حيث بعثتك. وروى الطبري ان عمار بن ياسر قال لعائشة حين فرغ القوم: يا أم المؤمنين ما أبعد هذا المسير من العهد الذي عهد إليك، قالت أبو اليقظان؟ قال نعم، قالت والله انك ما علمت قوال بالحق، قال الحمد لله الذي قضى لي على لسانك. قال: وجهز علي عائشة بكل شئ ينبغي لها من مركب أو زاد أو متاع واخرج معها كل من نجا ممن خرج معها إلا من أحب المقام واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات وأرسل معها أخاها محمدا وخرجت يوم السبت لغرة رجب سنة 36، وفي إثبات الوصية للمسعودي وكل بها نساء ملثمات اركبهن الخيل، وفي تذكرة الخواص عن هشام الكلبي بعث معها أخاها عبد الرحمن في ثلاثين رجلا وعشرين امرأة ألبسهن العمائم وقلدهن السيوف وقال لا تعلمنها إنكن نسوة وتلثمن ولا يقرب منها رجل فلما وصلت المدينة عرفنها انهن نسوة، وفي كامل المبرد قال عمرو بن العاص لعائشة: لوددت انك كنت قتلت يوم الجمل، فقالت ولم لا أبا لك؟ فقال كنت تموتين بأجلك وتدخلين الجنة ونجعلك أكبر التشنيع على علي.
واستخلف أمير المؤمنين ع على البصرة ابن عباس وولى زيادا الخراج وبيت المال وتوجه إلى الكوفة، ثم إن ابن عباس كتب إليه يذكر اختلاف أهل البصرة فاجابه أمير المؤمنين ع سأخبرك عن القوم: هم من بين مقيم لرغبة يرجوها أو عقوبة يخشاها فارغب راغبهم بالعدل عليه والإنصاف له والإحسان إليه وحل عقدة الخوف عن قلوبهم وأحسن إلى هذا الحي من ربيعة وكل من قبلك فاحسن إليهم ما استطعت إن شاء الله والسلام وكتب عبد الله بن أبي رافع في ذي القعدة سنة 36 وكتب إلى ابن عباس أيضا اما بعد فانظر ما اجتمع عندك من غلات المسلمين وفيئهم فاقسمه على من قبلك حتى تغنيهم وابعث إلينا بما فضل نفسه فيمن قبلنا والسلام. وكتب ع إلى أمراء الجنود ان لكم عندي ان لا احتجز دونكم سرا إلا في حرب ولا أطوي عنكم أمرا إلا في حكم ولا أؤخر حقا لكم عن محله ولا أرزأكم شيئا وان تكونوا عندي في الحق سواء فان أبيتم ان تستقيموا لي على ذلك لم يكن أهون علي ممن فعل ذلك منكم ثم أعاقبه عقوبة لا يجد عندي فيها هوادة. وكتب إلى أمراء الخراج: ارحموا ترحموا ولا تعذبوا خلق الله ولا تكلفوهم فوق طاقتهم وانصفوا الناس من أنفسكم واصبروا لحوائجهم فإنكم خزان الرعية لا تتخذن حجابا ولا تحجبن أحدا عن حاجة حتى ينهيها إليكم لا تأخذوا أحدا بأحد إلا كفيلا عمن كفل عنه وإياكم وتأخير العمل ودفع الخير فان في ذلك الندم والسلام.
وروى نصر بن مزاحم في كتاب صفين بسنده انه لما قدم أمير المؤمنين ع من البصرة إلى الكوفة يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من رجب سنة ست وثلاثين وقد أعز الله نصره وأظهره على عدوه ومعه أشراف الناس وأهل البصرة استقبله أهل الكوفة وفيهم قراؤهم وأشرافهم فدعوا له بالبركة وقالوا يا أمير المؤمنين أين تنزل، أ تنزل القصر؟ يعني قصر الامارة قال لا ولكني انزل الرحبة وهي محلة بالكوفة. وفي رواية انه لما لحقه ثقله، قالوا اي القصرين تنزل: فقال قصر الخبال لا تنزلونيه، ونزل على جعدة بن هبيرة المخزومي وهو ابن أخته أم هاني تزوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومي فأولدها جعدة وكان شريفا. ويظهر من هذه الرواية انه كان بالكوفة قصران للامارة، والخبال الفساد، والظاهر أنه لم يرض ان ينزل بقصر الامارة وسماه قصر الخبال باعتبار من كان ينزله من بعض حكام الجور. فتنزه عن أن ينزل في محل نزولهم مبالغة في انكار الظلم ولم يعلم أنه هل استمر على هجر قصر الامارة أو نزله بعد ما تمهدت له الأمور، لم نجد في ذلك تصريحا للمؤرخين. وفي طبقات ابن سعد: نزل علي الكوفة في