وحبسوه ودخلوا القصر وأخرجوا منه الحرس الذين كانوا مع عثمان وكانوا يعتقبون حرس عثمان في كل يوم وفي كل ليلة أربعون. قال الطبري فيما رواه: كتبت عائشة لما قدمت البصرة إلى زيد بن صوحان بالكوفة: من عائشة أم المؤمنين حبيبة رسول الله ص إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان أما بعد فإذا اتاك كتابي هذا فاقدم فانصرنا على أمرنا هذا فإن لم تفعل فخذل الناس عن علي فكتب إليها: من زيد بن صوحان إلى عائشة أما بعد فانا ابنك الخالص ان اعتزلت هذا الأمر ورجعت بيتك والا فانا أول من نابذك. قال زيد بن صوحان رحم الله أم المؤمنين امرت أن تلزم بيتها وأمرنا أن نقاتل فتركت ما امرت به وامرتنا به وصنعت ما أمرنا به ونهتنا عنه.
وقيل في اخذ ابن حنيف غير هذا وهو انه لما قدمت عائشة ومن معها البصرة قال لهم عثمان بن حنيف ما نقمتم على صاحبكم؟ فقالوا لم نره أولى بها منا وقد صنع ما صنع قال فان الرجل امرني فاكتب إليه فاعلمه ما جئتم له على أن أصلي أنا بالناس حتى يأتينا كتابه فوقفوا عنه فكتب فلم يلبث الا يومين أو ثلاثة حتى وثبوا على عثمان عند مدينة الرزق فظفروا به وأرادوا قتله ثم خشوا غضب الأنصار فنتفوا شعر رأسه ولحيته وحاجبيه وضربوه وحبسوه وأصبح طلحة والزبير بعد اخذ ابن حنيف وبيت المال والحرس في أيديهما فجعلوا على بيت المال عبد الرحمن بن أبي بكر والناس معهما ومن لم يكن معهما استتر، وقام طلحة والزبير خطيبين فقالا يا أهل البصرة توبة لحربة إنما أردنا ان نستعتب أمير المؤمنين عثمان فغلب السفهاء الحلماء فقتلوه، فقال الناس لطلحة يا أبا محمد قد كانت كتبك تأتينا بغير هذا فقال الزبير هل جاءكم مني كتاب في شانه ثم ذكر قتل عثمان وأظهر عيب علي فقام إليه رجل من عبد القيس فقال يا معشر المهاجرين أنتم أول من أجاب رسول الله ص فكان لكم بذلك فضل ثم دخل الناس في الاسلام كما دخلتم فلما توفي رسول الله ص بايعتم رجلا منكم فرضينا وسلمنا ولم تستأمرونا في شئ ثم مات واستخلف عليكم رجلا فلم تشاورونا فرضينا وسلمنا فلما توفي جل أمركم إلى ستة فاخترتم عثمان عن غير مشورتنا ثم أنكرتم منه شيئا فقتلتموه عن غير مشورة منا ثم بايعتم عليا عن مشورة منا فما الذي نقمتم عليه فنقاتله هل استأثر بفئ أو عمل بغير الحق أو اتى شيئا تنكرونه فنكون معكم عليه فهموا بقتل الرجل فمنعته عشيرته فلما كان الغد وثبوا عليه وعلى من معه وقتلوا منهم سبعين. وبلغ حكيم بن جبلة ما صنع بعثمان بن حنيف فقال لست أخاف الله ان لم انصره فجاء في جماعة من عبد القيس وبكر بن وائل وأكثرهم عبد القيس وتوجه نحو دار الرزق وبها طعام يرتزقه الناس فأراد عبد الله بن الزبير ان يرزقه أصحابه فقال عبد الله ما لك يا حكيم؟ قال نريد أن نرتزق من هذا الطعام وان تخلوا عثمان فيقيم في دار الامارة على ما كتبتم بينكم حتى يقدم علي والله لو أجد أعوانا عليكم ما رضيت بهذه منكم حتى أقتلكم بمن قتلتم ولقد أصبحتم وان دماءكم لنا لحلال بمن قتلتم من اخواننا أ ما تخافون الله عز وجل بم تستحلون سفك الدماء؟ قال بدم عثمان، قال فالذين قتلتم قتلوا عثمان؟ ما تخافون مقت الله؟ فقال له ابن الزبير لا نرزقكم من هذا الطعام ولا نخلي سبيل عثمان بن حنيف حتى يخلع عليا. قال حكيم اللهم أنك حكم عدل فاشهد وقال لأصحابه اني لست في شك من قتال هؤلاء ونادى أصحاب عائشة من لم يكن من قتلة عثمان فليكفف عنا فانا لا نريد إلا قتله عثمان فانشب حكيم القتال ولم يرع للمنادي فاقتتلوا قتالا شديدا ومع حكيم أربعة قواد فكان حكيم بحيال طلحة وذريح بحيال الزبير وابن المحرش بحيال عبد الرحمن بن عتاب وحرقوص بن زهير بحيال عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فزحف طلحة لحكيم وهو في ثلثمائة رجل وجعل حكيم يضرب السيف ويقول:
- اضربهم باليابس * ضرب غلام عابس - - من الحياة آيس * في الغرفات نافس - فضرب رجل ساق حكيم فقطعها فاخذ حكيم ساقه فرماه بها فأصاب عنقه فصرعه ووقذه ثم حبا إليه فقتله واتكأ عليه وقال:
- يا فخذ لا تراعي * ان معي ذراعي - - أحمى بها كراعي - وقال:
- أقول لما جد بي زماعي * للرجل يا رجلي لن تراعي - - ان معي من نجدة ذراعي - وقال:
- ليس علي ان أموت عار * والعار في الناس هو الفرار - - والمجد لا يفضحه الدمار - فاتى عليه رجل وهو رثيث رأسه على آخر، فقال ما لك يا حكيم؟
قال قتلت قال من قتلك؟ قال وسادتي فاحتمله فضمه في سبعين من أصحابه فتكلم يومئذ حكيم وإنه لقائم على رجل واحدة وإن السيوف لتأخذهم فما يتعتع ويقول إنا خلفنا هذين وقد بايعا عليا وأعطياه الطاعة ثم أقبلا مخالفين محاربين يطلبان بدم عثمان بن عفان ففرقا بيننا ونحن أهل دار وجوار اللهم انهما لم يريدا عثمان فقتل حكيم والسبعون الذين معه من عبد القيس وقتل مع حكيم ابنا الأشرف وأبو الرعل بن جبلة واختلف في قاتل حكيم فقيل قتله رجل من الحدان يقال له ضخم وقيل قتله يزيد بن الأسحم الحداني فوجد حكيم قتيلا بين يزيد بن الأسحم وأخيه كعب بن الأسحم وهما مقتولان فلما قتل حكيم أرادوا قتل عثمان بن حنيف فقال لهم إن أخي سهلا وال على المدينة فان قتلتموني قتل منكم فاطلقوه وقتل ذريح ومن معه وافلت حرقوص بن زهير في نفر من أصحابه فلجأوا إلى قومهم، ثم صار حرقوص بعد ذلك من الخوارج وقتل يوم النهروان. فنادى منادي طلحة والزبير من كان فيهم أحد ممن غزا المدينة فليأتنا بهم فجئ بهم فقتلوا ولم ينج منهم إلا حرقوص بن زهير فان عشريته بنى سعد منعوه فمسهم في ذلك أمر شديد وضربوا لهم فيه اجلا وخشنوا صدور بني سعد مع أنهم عثمانية وغضبت عبد القيس حين غضبت سعد لمن قتل بعد الوقعة ومن كان هرب إليهم إلى ما هم عليه من لزوم طاعة علي، وامر طلحة والزبير للناس بأعطياتهم وارزاقهم وفضلا أهل السمع والطاعة فخرجت عبد القيس وكثير من بكر بن وائل حين منعوهم الفضول فبادروهم إلى بيت المال وأكب عليهم الناس فأصابوا منهم وخرجوا حتى نزلوا على طريق علي وكتب طلحة والزبير إلى أهل الشام يخبرونهم بذلك ويحثونهم على النهوض فكان مما كتبوا به إنا خرجنا لوضع الحرب وإقامة كتاب الله فبايعنا خبار أهل البصرة وخالفنا شرارهم وقالوا فيما قالوا نأخذ أم المؤمنين رهينة إن امرتهم بالحق وحثتهم عليه وإننا نناشدكم الله في أنفسكم إلا نهضتم بمثل ما نهضنا به وكتبوا إلى أهل الكوفة وأهل اليمامة وأهل المدينة وكتبت عائشة إلى أهل