استبقني، فقال أ بعد ثلاثة تقتلهم؟ وامر به فقتل، وقيل إن المقتول عمرو بن يثري وإن عميرة بقي حيا حتى ولي قضاء البصرة مع معاوية.
أقول اختلف كلام المؤرخين في هذا المقام كثيرا فابن الأثير ذكر كما مر والطبري نسب ما مر عن ابن الأثير والرجز الأول إلى ابن يثري من دون أن يسميه ثم قال وقتل يومئذ عمرو بن يثري علباء بن الهيثم السدوسي وهند بن عمرو الجملي وزيد بن صوحان وهو يرتجز ويقول: اضربهم ولا ارى أبا حسن الرجز المتقدم قال وعرض عمار لعمرو بن يثري وذكر نحوا مما مر إلى قوله فنشب سيفه فيها ثم قال ورماه الناس حتى صرع وهو يقول:
- إن تقتلوني فانا ابن يثري * قاتل علباء وهند الجملي - - ثم ابن صوحان على دين علي - واخذ أسيرا إلى آخر ما مر. وقال بعضهم ان عمرو بن يثري كان فارس أهل الجمل وشجاعهم فلما برز قال للأزد اني قد وترت القوم وهم قاتلي ولست اخشى أن اقتل حتى اصرع فان صرعت فاستنقذوني، فقالوا ما نخاف عليك الا الأشتر قال فإياه أخاف فخرج الأشتر. وهو يقول:
- اني إذا ما الحرب أبدت نابها * وغلقت يوم الوغى أبوابها - - ومزقت من حنق اثوابها * كنا قداماها ولا أذنابها - - ليس العدو دوننا أصحابها * من هابها اليوم فلن اهابها - - لا طعنها اخشى ولا ضرابها - ثم حمل عليه الأشتر فطعنه فصرعه وحامت عنه الأزد فاستنقذوه فوثب وهو مشرف على الموت فلم يستطع أن يدفع عن نفسه فطعنه رجل فصرعه ثانية وسحبه آخر برجله حتى اتى به عليا فناشده الله وقال يا أمير المؤمنين أعف عني فان العرب لم تزل قائلة عنك انك لم تجهز على جريح قط فعفا عنه وأطلقه فجاء إلى الصحابة وحضره الموت فقيل له دمك عند اي الناس فقال ضربني فلان وفلان وصاحبي الأشتر فقالت ابنته ترثيه وشكرت الأزد وعاتبت قومها وشعرها هذا من جيد الشعر والنساء إذا رثت أجادت لما في طباعهن من الرقة:
- يا ضب انك قد فجعت بفارس * حامي الحقيقة قاتل الاقران - - عمرو بن يثري الذي فجعت به * كل القبائل من بني عدنان - - لم يحمه وسط العجاجة قومه * وحنت عليه الأزد أزد عمان - - فلهم علي بذاك حادث نعمة * ولحبهم أحببت كل يماني - - لو كان يدفع عن منية هالك * طول الأكف بذابل المران - - أو معشر وصلوا الخطى بسيوفهم * وسط العجاجة والحتوف دواني - ما نيل عمرو والحوادث جمة * حتى ينال النجم والقمران - - لو غير الأشتر ناله لندبته * وبكيته ما دام هضب ابان - - لكنه من لا يعاب بقتله * أسد الأسود وفارس الفرسان - والذي يغلب على الظن انه وقع اشتباه بين عميرة بن يثري وأخيه عبد الله وعمرو بن يثري فنسب ما لأحدهم للآخر ورواية عفو أمير المؤمنين ع عنه بعد ما وجب عليه القصاص بقتل من قتل مستبعدة. ولما قتل ابن يثري دفع العدوي الزمام إلى رجل من بني عدي وبرز فخرج إليه ربيعة العقيلي وهو يرتجز ويقول:
- يا أمنا أعق أم تعلم * والأم تغذو ولدها وترحم - - ألا ترين كم شجاع يكلم * وتختلي منا يد ومعصم - ثم اقتتلا فاثخن كل واحد منهما صاحبه فماتا جميعا وقال أبو مخنف:
الزجر للحارث بن زهير الأزدي من أصحاب علي ع وقام مقام العدوي الحارث الضبي فما رئي أشد منه وجعل يقول:
- نحن بني ضبة أصحاب الجمل * ننعى ابن عفان بأطراف الأسل - - الموت أحلى عندنا من العسل * ردوا علينا شيخنا ثم بجل - وفي رواية:
- نحن بني ضبة أصحاب الجمل * نبارز القرن إذا القرن نزل - - ننعى ابن عفان بأطراف الأسل * الموت أحلى عندنا من العسل - وفي رواية ان وسيم بن عمرو بن ضرار الضبي كان يوم الجمل يقول:
- نحن بني ضبة أصحاب الجمل * ننازل الموت إذا الموت نزل - - والموت أشهى عندنا من العسل * ننعى ابن عفان بأطراف الأسل - - ردوا علينا شيخنا ثم بجل - قال الطبري: كان عمرو بن يثري يحضض قومه يوم الجمل وقد تعاوروا الخطام يرتجزون:
- نحن بني ضبة لا نفر * حتى نرى جماجما تحز - - يحز منها العلق المحمر - - يا أمنا يا عيش لا تراعي * كل بنيك بطل المصاع - - يا أمنا يا زوجة النبي * يا زوجة المبارك المهدي - قال أبو مخنف: خرج عوف بن قطن الضبي وهو ينادي ليس لعثمان ثار الا علي بن أبي طالب وولده فاخذ خطام الجمل وقال:
- يا أم يا أم خلا مني الوطن * لا ابتغي القبر ولا ابغي الكفن - - من هاهنا محشر عوف بن قطن * ان فاتنا اليوم علي فالغبن - - أو فاتنا ابناه حسين وحسن * إذن أمت بطول هم وحزن - ثم تقدم فضرب بسيفه حتى قتل. وتناول عبد الله بن ابزي خطام الجمل وكان من أراد الجد في الحرب وقاتل قتال مستميت يتقدم إلى الجمل فيأخذ بخطامه ثم شد ابن ابزي على عسكر علي فقال:
- اضربهم ولا أرى أبا حسن * ها ان هذا حزن من الحزن - فشد عليه أمير المؤمنين ع بالرمح فطعنه فقتله وقال قد رأيت أبا حسن فكيف رأيته؟ وترك الرمح فيه، وأخذت عائشة كفا من حصى فحصبت به أصحاب علي وصاحت بأعلى صوتها شاهت الوجوه، كما صنع رسول الله ص يوم حنين، فقال لها قائل: وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى. ولم يزل الأمر كذلك حتى قتل على الخطام أربعون رجلا قالت عائشة ما زال جملي معتدلا حتى فقدت أصوات بني ضبة وأخذ الخطام سبعون رجلا من قريش كلهم يقتل وهو آخذ به وممن أخذ به محمد بن طلحة فجعل لا يحمل عليه أحد إلا حمل وقال: حم لا ينصرون. قال ابن الصباغ:
وكان ذلك شعار أصحاب علي ع وكان علي قد أوصى أصحابه ان لا يقتلوا محمد بن طلحة فحمل عليه شريح بن أوفى العبسي فقال: حم، وقد سبقه شريح بالطعنة فاتى على نفسه فكان كما قيل: سبق السيف العذل، وكان محمد بن طلحة هذا من العباد الزهاد واعتزل الناس وانما خرج برا بأبيه أقول ولكنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.