الكامل، وتفسيره: إن قول معاوية على أن لا ينقض شرط طاعة أي أن الاخلال بما شرط له لا ينقض طاعة عمرو له فعليه أن يطيعه ولو أخل بالشرط وقول عمرو على أن لا ينقض طاعة شرطا أي أن الاخلال بالطاعة لا ينقض هذا الشرط فعليه أن يفي بما شرط ولو أخل عمرو بالطاعة.
وكان مع عمرو ابن عم له فتى شاب وكان داهيا حليما فلما جاء عمرو بالكتاب مسرورا عجب الفتى وقال ألا تخبرني يا عمرو بأي رأي تعيش في قريش أعطيت دينك ومنيت دنيا غيرك أ ترى أهل مصر وهم قتلة عثمان يدفعونها إلى معاوية وعلي حي وتراها إن صارت إلى معاوية لا يأخذها بالحرف الذي قدمه في الكتاب فقال عمرو يا ابن الأخ إن الأمر لله دون علي ومعاوية فقال الفتى في ذلك شعرا:
- الا يا هند أخت بني زياد * دهي عمرو بداهية البلاد - - له خدع يحار العقل فيها * مزخرفة صوائد للفؤاد - - تشرط في الكتاب عليه حرفا * يناديه بخدعته المنادي - - وأثبت مثله عمرو عليه * كلا المرئين حية بطن وادي - - الا يا عمرو ما أحرزت مصرا * وما ملت الغداة إلى الرشاد - - وبعت الدين بالدنيا خسارا * فأنت بذاك من شر العباد - - فلو كنت الغداة أخذت مصرا * ولكن دونها خرط القتاد - - وفدت إلى معاوية بن حرب * فكنت بها كوافد قوم عاد - - وأعطيت الذي أعطيت منه * بطرس فيه نضح من مداد - - أ لم تعرف أبا حسن عليا * وما نالت يداه من الأعادي - - عدلت به معاوية بن حرب * فيا بعد البياض من السواد - - ويا بعد الأصابع من سهيل * ويا بعد الصلاح من الفساد - - أ تأمن أن تراه على خدب * يحث الخيل بالأسل الحداد - - ينادي بالنزال وأنت منه * بعيد فانظرن من ذا تعادي - فقال عمرو يا ابن أخي لو كنت مع علي وسعني بيتي ولكن الآن مع معاوية فقال له الفتى انك إن لم ترد معاوية لم يردك ولكنك تريد دنياه ويريد دينك وبلغ معاوية قول الفتى فطلبه فهرب فلحق بعلي فحدثه بأمر عمرو ومعاوية فسره ذلك وقربه. وغضب مروان وقال ما بالي لا اشتري كما اشتري عمرو؟! فقال له معاوية: انما تبتاع الرجال لك. وقال معاوية لعمرو ما ترى قال امض الرأي الأول فبعث مالك بن هبيرة الكندي في طلب ابن أبي حذيفة فأدركه فقتله وبعث إلى قيصر بالهدايا فوادعه ثم قال ما ترى في علي؟ قال إن رأس أهل الشام شرحبيل بن السمط بن جبلة الكندي هو عدو لجرير المرسل إليك فأرسل إليه ووطن له ثقاتك فليفشوا في الناس إن عليا قتل عثمان وليكونوا أهل الرضا عند شرحبيل فإنها كلمة جامعة لك أهل الشام على ما تحب وإن تعلق بقلبه لم يخرجها شئ ابدا فكتب، إليه أن جرير بن عبد الله قدم علينا من عند علي بن أبي طالب بأمر فظيع فاقدم، ودعا جماعة هم رؤساء قحطان واليمن وثقات معاوية وخاصته وبنو عم شرحبيل وأمرهم أن يلقوه ويخبروه أن عليا قتل عثمان فلما قدم عليه كتاب معاوية وهو بحمص استشار أهل اليمن فاختلفوا عليه فقام إليه عبد الرحمن بن غنم الأزدي وكان أفقه أهل الشام فقال إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم أنه قد القي إلينا قتل عثمان وإن عليا قتله فان يك قتله فقد بايعه المهاجرون والأنصار وهم الحكام على الناس وإن لم يكن قتله فعلا م تصدق معاوية عليه لا تهلك نفسك وقومك، فابى شرحبيل الا أن يسير إلى معاوية فبعث إليه عياض اليماني وكان ناسكا بهذه الأبيات:
- أ يا شرح يا ابن السمط انك بالغ * بود علي ما تريد من الأمر - - ويا شرح أن الشام شامك ما بها * سواك فدع قول المضلل من فهر - - فان ابن حرب ناصب لك خدعة * تكون علينا مثل راغية البكر - - فان نال ما يرجو بنا كان ملكنا * هنيئا له والحرب قاصمة الظهر - - وإن عليا خير من وطئ الحصى * من الهاشميين المداريك للوتر - - له في رقاب الناس عهد وذمة * كعهد أبي حفص وعهد أبي بكر - - فبايع ولا ترجع على العقب كافرا * أعيذك بالله العزيز من الكفر - - ولا تسمعن قول الطغام فإنما * يريدون أن يلقوك في لجة البحر - - وما ذا عليهم أن تطاعن دونهم * عليا بأطراف المثقفة السمر - - فان غلبوا كانوا علينا أئمة * وكنا بحمد الله من ولد الطهر - - وإن غلبوا لم يصل بالحرب غيرنا * وكان علي حربنا آخر الدهر - - يهون على عليا لؤي بن غالب * دماء بني قحطان في ملكهم تجري - - فدع عنك عثمان بن عفان اننا * لك الخير لا ندري - - وانك لا تدري على أي حال كان مصرع جنبه * فلا تسمعن قول الاعيور أو عمرو - فلما قدم شرحبيل على معاوية تلقاه الناس فاعظموه ودخل على معاوية فقال معاوية إن جرير بن عبد الله يدعونا إلى بيعة علي وعلي خير الناس لولا أنه قتل عثمان بن عفان وحبست نفسي عليك وانما أنا رجل من أهل الشام ارضى ما رضوا وأكره ما كرهوا فقال شرحبيل اخرج فانظر فخرج فلقيه هؤلاء النفر الموطئون له فكلهم يخبره بان عليا قتل عثمان فرجع إلى معاوية مغضبا فقال يا معاوية أبى الناس الا أن عليا قتل عثمان ووالله لئن بايعت له لنخرجنك من الشام أو لنقتلنك قال معاوية ما كنت لأخالف عليكم ما انا الا رجل من أهل الشام قال فرد هذا الرجل إلى صاحبه إذن.
فعرف معاوية أن شرحبيل قد نفذت بصيرته في حرب أهل العراق وإن الشام كله مع شرحبيل فخرج شرحبيل فقال لحصين بن نمير ابعث إلى جرير فبعث إليه فاجتمعا عنده فقال شرحبيل يا جرير أتيتنا بأمر ملفف لتلقينا في لهوات الأسد وأردت أن تخلط الشام بالعراق وأطريت عليا وهو قاتل عثمان والله سائلك عما قلت يوم القيامة فقال جرير اما قولك إني جئت بأمر ملفف فكيف يكون أمرا ملففا وقد اجتمع عليه المهاجرون والأنصار وقوتل على رده طلحة والزبير واما قولك إني ألقيتك في لهوات الأسد ففي لهواته القيت نفسك واما خلط العراق بالشام فخلطها بها على حق خير من فرقتها على باطل واما قولك إن عليا قتل عثمان فوالله ما في يديك من ذلك الا القذف بالغيب من مكان بعيد ولكنك ملت إلى الدنيا وشئ كان في نفسك علي زمن سعد بن أبي وقاص. فبلغ معاوية قول الرجلين فبعث إلى جرير فزجره وكتب جرير إلى شرحبيل:
- شرحبيل يا ابن السمط لا تتبع الهوى * فما لك في الدنيا من الدين من بدل - - وقل لابن حرب ما لك اليوم حرمة * تروم بها ما رمت فاقطع له الأمل - - شرحبيل إن الحق قد جد جده * وانك مأمون الأديم من النغل - - وارود (1) ولا تفرط بشئ نخافه * عليك ولا تعجل فلا خير في العجل - - ولأنك كالمجري إلى شر غاية * فقد خرق السربال واستنوق الجمل -