وقال الطبري اجتمع عليه أربعة نفر كل ادعى قتله فانفذه بعضهم بالرمح وقال ابن الصباغ وفي ذلك يقول قاتله شريح:
- وأشعث قوام بآيات ربه * قليل الأذى فيما ترى العين مسلم - - هتكت له بالرمح جيب قميصه * فخر صريعا لليدين وللفم - - على غير شئ غير أن ليس تابعا * عليا ومن لا يتبع الحق يندم - - يذكرني حم والرمح شاجر * فهلا تلا حم قبل التقدم - وأحدق أهل النجدات والشجاعة بعائشة فكان لا يأخذ الخطام أحد الا قتل وما رامه أحد من أصحاب علي الا قتل أو أفلت فلم يعد وحمل عدي بن حاتم الطائي عليهم ففقئت عينه وخرج رجل من عسكر البصرة يعرف بجناب بن عمرو الراسبي فارتجز فقال:
- اضربهم ولو ارى عليا * عممته أبيض مشرفيا - - أريح منه معشرا غويا - فصمد له الأشتر فقتله ثم تقدم عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد بن أبي العاص بن أمية ابن عبد شمس وهو من أشراف قريش وكان اسم سيفه ولول فارتجز فقال:
- انا ابن عتاب وسيفي ولول * والموت عند الجمل المجلل - فحمل عليه الأشتر فقتله وقتل الأشتر جندب بن زهير الغامدي وعبد الله بن حكيم ابن حرام اشترك في قتله هو وعدي بن حاتم وكانت راية بكر بن وائل من أهل الكوفة في بني ذهل، كانت مع الحارث بن حسان بن خوط الذهلي فقيل له ابق على نفسك وقومك، فاقدم وقال يا معشر بكر بن وائل انه لم يكن أحد له من رسول الله ص مثل منزلة صاحبكم فانصروه فاقدم فقتل وقتل ابنه وقتل خمسة اخوة له وقتل من بني ذهل خمسة وثلاثون رجلا فقال رجل لأخيه وهو يقاتل يا أخي ما أحسن قتالنا ان كنا على حق قال فانا على الحق ان الناس أخذوا يمينا وشمالا وانما تمسكنا باهل بيت نبينا، فقاتلا حتى قتلا وجرح عمير بن الأهلب الضبي فمر به رجل من أصحاب علي وهو يفحص برجليه ويقول:
- لقد أوردتنا حومة الموت أمنا * فلم ننصرف الا ونحن رواء - - لقد كان عن نصر ابن ضبة امه * وشيعتها مندوحة وغناء - - أطعنا قريشا ضلة من حلومنا * ونصرتنا أهل الحجاز عناء - - أطعنا بني تيم بن مرة شقوة * وهل تيم الا أعبد وإماء - فقال له الرجل قل لا إله إلا الله، قال ادن مني فلقني في فمي فبي صمم فدنا منه الرجل فوثب عليه فعض أذنه فقطعها. وخرج عبد الله بن خلف الخزاعي وهو رئيس البصرة وأكثر أهلها مالا وضياعا وطلب المبارزة وسال ان لا يخرج إليه الا علي وارتجز عليه فقال:
- يا أبا تراب ادن مني فترا * فإنني دان إليك شبرا - - وان في صدري عليك غمرا - فخرج إليه علي فلم يمهله ان ضربه ففلق هامته. واستدار الجمل كما تدور الرحى وتكاثفت الرجال حوله واشتد رغاؤه واشتد زحام الناس عليه وقصد أهل الكوفة قصد الجمل ودونه كالجبال كلما خف قوم جاء اضعافهم فنادى أمير المؤمنين ويحكم ارشقوا الجمل بالنبل، اعقروه، فرشق بالسهام، فلم يبق فيه موضع الا أصابه النبل، وكان مجففا فتعلقت السهام به فصار كالقنفذ. ونادت الأزد وضبة يا لثارات عثمان فاخذوها شعارا، ونادى أصحاب علي: يا محمد، فاخذوها شعارا واختلط الفريقان ونادى علي بشعار رسول الله ص: يا منصور أمت، وقيل كان شعاره: حم لا ينصرون اللهم انصرنا على القوم الناكثين. وهذا في اليوم الثاني من أيام الجمل فلما دعا بها تزلزلت اقدام القوم وذلك وقت العصر بعد إن كان الحرب من الفجر ثم تحاجز الفريقان والقتل فاش فيهما الا إنه في أهل البصرة أكثر وامارات النصر لائحة لعسكر الكوفة ثم توافقوا في اليوم الثالث فجاء عبد الله بن الزبير فلم يتكلم وكان كل من يأخذ الخطام ينتسب فقالت عائشة من أنت قال ابنك ابن أختك قالت وا ثكل أسماء. وفي رواية ان عبد الله بن الزبير برز في اليوم الثالث أول الناس ودعا إلى المبارزة فبرز إليه الأشتر فقالت عائشة من برز إلى عبد الله قيل الأشتر فقالت وا ثكل أسماء وكان الأشتر طاويا ثلاثة أيام وكانت هذه عادته في الحرب وهو شيخ عالي السن فضرب الأشتر عبد الله على رأسه فجرحه جرحا شديدا وضربه عبد الله ضربة خفيفة واعتنق كل واحد منهما صاحبه وسقطا إلى الأرض يعتركان فقال ابن الزبير:
- اقتلوني ومالكا * واقتلوا مالكا معي - فلو يعلمون من مالك لقتلوه وانما كان يعرف بالأشتر فحمل أصحاب علي وعائشة فخلصوهما. ودخل الأشتر على عائشة بعد حرب الجمل فقالت أنت الذي صنعت بابن أختي ما صنعت قال نعم ولولا أني كنت طاويا ثلاثة أيام لأرحت أمة محمد منه قالت أ ما علمت أن رسول الله ص قال لا يحل دم مسلم الا بأحد أمور ثلاثة كفر بعد ايمان أو زنا بعد احصان أو قتل نفس بغير حق فقال على بعض هذه الثلاثة قاتلناه يا أم المؤمنين والله ما خانني سيفي قبلها وقد أقسمت ان لا يصحبني بعدها وفي ذلك يقول الأشتر:
- أ عائش لو انني كنت طاويا * ثلاثا لألفيت ابن أختك هالكا - - غداة ينادي والرماح تنوشه * كوقع الصياصي اقتلوني ومالكا - - فلم يعرفوه إذ دعاهم وغمه * خدب عليه في العجاجة باركا - - فنجاه مني اكله وشبابه * واني شيخ لم أكن متماسكا - - وقالت على أي الخصال صرعته * بقتل اتى أم رده لا أبا لكا - - أم المحصن الزاني الذي حل قتله * فقلت لها لا بد من بعض ذالكا - واخذ الخطام الأسود بن أبي البحتري فقتل وهو قرشي واخذه عمرو بن الأشرف العتكي فقتل وقتل معه ثلاثة عشر رجلا من أهل بيته وهو أزدي ولم يبق شيخ من بني عامر الا أصيب قدام الجمل وما يأخذ بخطام الجمل أحد الا قتل حتى ضاع الخطام وكان آخر من اخذه زفر بن الحارث وهو يرتجز ويقول:
- يا أمنا مثلك لا يراع * كل بنيك بطل شجاع - وزحف علي نحو الجمل بنفسه في كتيبته الخضراء من المهاجرين والأنصار وحوله بنوه حسن وحسين ومحمد ودفع الراية إلى محمد وقال أقدم بها حتى تركزها في عين الجمل ولا تقفن دونه فتقدم محمد فرشقته السهام فقال لأصحابه رويدا حتى تنفد سهامهم فلم يبق الا رشقة أو رشقتان فانفذ علي إليه يحثه ويأمره بالمناجزة فلما أبطا عليه جاء بنفسه من خلفه فوضع يده اليسرى على منكبه الأيمن وقال له أقدم لا أم لك فكان محمد إذا ذكر ذلك يبكي ويقول لكأني أجد ريح نفسه في قفاي والله لا انسى ذلك ابدا ثم أدركت عليا رقة على ولده فتناول الراية منه بيده اليسرى وذو الفقار مشهور