الكوفة تخبرهم بذلك وتامرهم ان يثبطوا الناس عن علي وتحثهم على طلب قتلة عثمان فمما ذكرته في كتابها أقيموا كتاب الله بإقامة ما فيه قدمنا البصرة فدعوناهم إلى إقامة كتاب الله فأجابنا الصالحون واستقبلنا من لا خير فيه بالسلاح وعزم عليهم عثمان بن حنيف ألا قاتلوني حتى منعني الله عز وجل بالصالحين واحتجوا بأشياء فاصطلحنا عليها فخافوا وغدروا وخانوا وحشروا. وكتبت إلى رجال بأسمائهم: فثبطوا الناس عن هؤلاء القوم ونصرتهم واجلسوا في بيوتكم فان هؤلاء لم يرضوا بما صنعوا بعثمان بن عفان وفرقوا بين جماعة الأمة وخالفوا الكتاب والسنة حتى شهدوا علينا بالكفر فأنكر ذلك الصالحون وقالوا ما رضيتم إن قتلتم الامام حتى خرجتم على زوجة نبيكم ان امرتكم بالحق لتقتلوها وأصحاب رسول الله وأئمة المسلمين فكان ذلك الدأب ستة وعشرين يوما ندعوهم إلى الحق فغدروا وخانوا فغادروني في الغلس ليقتلوني والذي يحاربهم غيري فلم يبرحوا حتى بلغوا سدة بيتي فوجدوا نفرا على الباب فدارت عليهم الرحى. وكتبت إلى أهل اليمامة وأهل المدينة. وكانت هذه الوقعة لخمس بقين من ربيع الآخر سنة ست وثلاثين وبايع أهل البصرة طلحة والزبير فقال الزبير ألا ألف فارس أسير بهم إلى علي ثم اقتله بياتا أو صباحا قبل أن يصل إلينا فلم يجبه أحد فقال إن هذه للفتنة التي كنا نحدث عنها فقال له مولاه أ تسميها فتنة وتقاتل فيها.
وكان علي ع ارسل وهو بالربذة محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر إلى الكوفة وكتب إليهم اني اخترتكم على الأمصار وفزعت إليكم لما حدث فكونوا لدين الله أعوانا وأنصارا وانهضوا إلينا فالاصلاح نريد لتعود هذه الأمة اخوانا فقدما الكوفة وأتيا أبا موسى بكتاب علي وقاما في الناس بأمره فلم يجابا إلى شئ واستشار ناس من أهل الحجي أبا موسى فقال القعود سبيل الآخرة والخروج سبيل الدنيا فغضب محمد ومحمد وأغلظا لأبي موسى فلم ينجع فيه فانطلقا إلى علي فأخبراه الخبر وهو بذي قار. ولما نزل علي ع الثعلبية اتاه خبر عثمان بن حنيف فأخبر أصحابه وقال اللهم عافني مما ابتليت به طلحة والزبير من قتل المسلمين فلما انتهى إلى الآساد اتاه خبر حكيم بن جبلة فقال:
- دعا حكيم دعوة الزماع * حل بها منزلة النزاع - فلما نزل بذي قار اتاه فيها عثمان بن حنيف وليس في وجهه شعره وقيل اتاه بالربذة فقال يا أمير المؤمنين بعثتني ذا لحبة وقد جئتك أمرد فقال أصبت اجرا وخيرا. قال المفيد: ولما نزل بذي قار اخذ البيعة على من حضره وتكلم فأكثر من الحمد لله والثناء عليه والصلاة على رسول الله ص ثم قال قد جرت أمور صبرنا عليها في أعيننا القذى تسليما لأمر الله تعالى فيما امتحننا به ورجاء الثواب على ذلك وكان الصبر عليها أمثل من أن يتفرق المسلمون وتسفك دماؤهم نحن أهل بيت النبوة وعترة الرسول وأحق الخلق بسلطان الرسالة ومعدن الكرامة التي ابتدأ الله بها هذه الأمة وهذا طلحة والزبير وليسا من أهل النبوة ولا من ذرية الرسول حين رأيا ان الله قد رد علينا حقنا بعد اعصر لم يصبرا حولا واحدا ولا شهرا كاملا حتى وثبا على دأب الماضين قبلهما ليذهبا بحقي ويفرقا جماعة المسلمين عني. وأقام بذي قار ينتظر محمدا ومحمدا فاتاه الخبر بما لقيت ربيعة وخروج عبد القيس ونزولهم بالطريق كما تقدم فقال عبد القيس خير ربيعة وفي كل ربيعة خير وقال:
- يا لهف ما نفسي على ربيعة * ربيعة السامعة المطيعة - - قد سبقتني فيهم الوقيعة * دعا علي دعوة سميعه - - حلوا بها المنزلة الرفيعة - وعرضت عليه بكر بن وائل فقال لها ما قال لطئ وأسد ولما جاءه محمد ومحمد واخبراه خبر أبي موسى بذي قار قال للأشتر أنت صاحبنا في أبي موسى اذهب أنت وابن عباس فاصلح ما أفسدت، وكان الأشتر أشار بابقاء أبي موسى لما أراد أمير المؤمنين ع عزله، فاتيا الكوفة فكلما أبا موسى واستعانا عليه بنفر من أهلها فلم يكن من أبي موسى غير التثبيط، فقال في جملة كلامه: هذه فتنة صماء النائم فيها خير من اليقظان واليقظان خير من القاعد والقاعد خير من القائم والقائم خير من الراكب والراكب خير من الساعي فأغمدوا السيوف وانصلوا الأسنة واقطعوا الأوتار حتى تنجلي هذه الفتنة وكان يكرر هذا الكلام ونحوه في كل مقام فرجعا إلى علي فأخبراه الخبر فأرسل ابنه الحسن وعمار بن ياسر وقيل بل أرسلهما أولا ثم ارسل الأشتر وابن عباس وهو الأقرب إلى الاعتبار فان الحسن ع وعمارا شأنهما اللين والرفق والأشتر شانه الشدة فلما لم يفد في أبي موسى الرفق استعملت الشدة وآخر الدواء الكي فاقبل الحسن وعمار حتى دخلا المسجد فلقيهما المسروق بن الأجدع فسلم وأقبل على عمار فقال يا أبا اليقظان علا م قتلتم عثمان فجرى بينهما في ذلك حوار وخرج أبو موسى فضم الحسن إليه وجعل يكلم عمارا في قتل عثمان ويؤنبه فقال له الحسن لم تثبط الناس عنا فوالله ما أردنا إلا الإصلاح ولا مثل أمير المؤمنين يخاف على شئ؟ فقال صدقت بأبي أنت وأمي ولكن المستشار مؤتمن سمعت رسول الله يقول ستكون فتنة القاعدة فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الراكب وقد جعلنا الله اخوانا وحرم علينا دماءنا وأموالنا، وتلا في ذلك آيات، قال الطبري فغضب عمار وساءه وقال ابن الأثير وسبه وقال يا أيها الناس إنما قال له خاصة أنت فيها قاعدا خير منك قائما أقول العجب لأبي موسى يحتج بمثل هذا الذي لا حجة فيه ويغفل عن قوله تعالى: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله. وقام رجل من بني تميم فقال لعمار: اسكت أيها العبد أنت أمس مع الغوغاء واليوم تسافه أميرنا وثار زيد بن صوحان وطبقته وثار الناس ووقف زيد على باب المسجد ومعه كتابان من عائشة إليه وإلى أهل الكوفة وفيهما الامر بملازمة بيوتهم أو نصرتها فقرأهما على الناس وقال امرت ان تقر في بيتها وأمرنا ان نقاتل حتى لا تكون فتنة فامرتنا بما امرت به وركبت ما امرنا به فقال له شبث بن ربعي: يا عماني لأنه من عبد القيس وهم يسكنون عمان وعابه وتهاوى الناس وقام أبو موسى يسكن الناس ويثبطهم عن الخروج إلى علي ع بشتى الأفانين وبكلام طويل فقام زيد فشال يده المقطوعة فقال يا عبد الله بن قيس رد الفرات على ادراجه اردده من حيث يجئ حتى يعود كما بدأ فان قدرت على ذلك فستقدر على ما تريد فدع عنك ما لست مدركه ثم قرأ: ألم أ حسب الناس ان يتركوا إلى آخر الآيتين ثم قال سيروا إلى أمير المؤمنين وسيد المسلمين وانفروا إليه أجمعين تصيبوا الحق، وقال عبد الخير الخيواني يا أبا موسى هل بايع طلحة والزبير عليا قال نعم قال هل أحدث علي ما يحل به نقض بيعته قال لا أدري، قال لا دريت، نحن نتركك حتى تدري، هل تعلم أحدا خارجا من هذه الفتنة، إنما الناس أربع فرق علي بظهر الكوفة وطلحة والزبير بالبصرة ومعاوية بالشام وفرقة بالحجاز لا غناء بها ولا يقاتل بها عدو، قال أبو موسى أولئك خير الناس وهي فتنة، فقال