الكعبة، فقال عمران: لتعركنكم عركا طويلا، قال فأشر علي، قال اعتزل فاني قاعد، قال بل أمنعهم حتى يأتي أمير المؤمنين، فانصرف عمران إلى بيته وقام عثمان في امره.
وقال أبو مخنف: لما انتهت عائشة وطلحة والزبير إلى حفر أبي موسى قريبا من البصرة ارسل عثمان بن حنيف عامل علي على البصرة إلى القوم أبا الأسود الدؤلي يعلم له علمهم فجاء حتى دخل على عائشة فسألها عن مسيرها قالت أطلب بدم عثمان قال إنه ليس بالبصرة من قتلة عثمان أحد قالت صدقت ولكنهم مع علي بن أبي طالب بالمدينة وجئت استنهض أهل البصرة لقتاله أ نغضب لكم من سوط عثمان ولا نغضب لعثمان من سيوفكم فقال لها ما أنت من السوط والسيف إنما أنت حبيس رسول الله ص امرك ان تقري في بيتك وتتلي كتاب ربك وليس على النساء قتال ولا لهن الطلب بالدماء وان عليا لاولى بعثمان منك أمس رحما فإنهما ابنا عبد مناف قالت لست منصرفة حتى امضي لما قدمت له أ فنظن يا أبا الأسود أن أحدا يقدم على قتالي قال أما والله لتقاتلن قتالا أهونه الشديد ثم قام فاتى الزبير فقال يا أبا عبد الله عهد الناس بك وأنت يوم بويع أبو بكر آخذ بقائم سيفك تقول لا أحد أولى بهذا الأمر من ابن أبي طالب وأين هذا المقام من ذاك فذكر له دم عثمان فقال أنت وصاحبك وليتماه فيما بلغنا قال فانطلق إلى طلحة فاسمع ما يقول فذهب إلى طلحة فوجده مصرا على الحرب والفتنة فرجع إلى عثمان بن جنيف فقال إنها الحرب فتأهب لها فاتاه هشام بن عامر فخوفه عاقبة الحرب وقال ارفق بهم وسامحهم حتى يأتي أمر علي فابى ونادى عثمان في الناس وأمرهم بلبس السلاح فاجتمعوا إلى المسجد وأمرهم بالتجهيز وأراد عثمان أن يعرف ما عند الناس فدس إليهم رجلا خدعا كوفيا قيسيا فقام فقال أيها الناس ان هؤلاء القوم الذين جاءوكم إن كانوا جاءوكم خائفين فقد اتوا من بلد يامن فيها الطير وإن كانوا جاءوا يطلبون بدم عثمان فما نحن بقتلته فأطيعوني وردوهم من حيث جاءوا فقام الأسود بن سريع السعدي فقال إنما اتوا يستعينون بنا على قتلة عثمان منا ومن غيرنا فحصبه الناس فعرف عثمان ان لهم بالبصرة ناصرا فكسره ذلك وأقبلت عائشة فيمن معها حتى انتهوا إلى المربد وخرج إليها من أهل البصرة من أراد أن يكون معها ووقفوا حتى خرج عثمان فيمن معه وتكلم طلحة فحمد الله وأثنى عليه وذكر عثمان وفضله وما استحل منه ودعا إلى الطلب بدمه وحث عليه وكذلك الزبير فقال أصحابهما صدقا وبرا وامرا بالحق وقال أصحاب ابن حنيف فجرا وغدرا وامرا بالباطل بايعا عليا ثم جاءا يقولان ما يقولان وتحاثى الناس وتحاصبوا وأرهجوا، فخطبت عائشة وكانت جهورية الصوت، فحمدت الله وقالت: كان الناس يتجنون على عثمان ويزرون على عماله ويأتوننا بالمدينة فيستشيروننا فيما يخبرنا عنهم فننظر في ذلك فنجده برا تقيا وفيا ونجدهم فجرة غدرة كذبة فلما قووا كاثروه واقتحموا عليه داره واستحلوا الدم الحرام والشهر الحرام والبلد الحرام بلا ترة ولا عذر، إلا مما ينبغي لا ينبغي لكم غيره أخذ قتلة عثمان وإقامة كتاب الله، وقرأت: أ لم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب الآية فافترق أصحاب ابن حنيف فرقتين: فرقة قالت صدقت وبرت، وقال آخرون كذبتم والله ما نعرف ما جئتم به فتحاثوا وتحاصبوا فلما رأت عائشة ذلك انحدرت ومال بعض أصحاب ابن حنيف إلى عائشة وبقي بعضهم معه. قال الطبري وابن الأثير: واقبل جارية بن قدامة السعدي فقال يا أم المؤمنين والله لقتل عثمان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلام انه قد كان لك من الله ستر وحرمة فهتكت سترك وأبحت حرمك انه من رأى قتالك يرى قتلك إن كنت أتيتنا طائعة فارجعي إلى منزلك وإن كنت أتيتنا مكرهة فاستعيني بالناس. وخرج غلام من بني سعد إلى طلحة والزبير فقال أرى أمكما معكما فهل جئتما بنسائكما قالا لا قال فما أنا منكم في شئ واعتزل وقال في ذلك:
- صنتم حلائلكم وقدتم أمكم * هذا لعمرك قلة الإنصاف - - امرت بجر ذيولها في بيتها * فهوت تشق البيد بالإيجاف - - غرضا يقاتل دونها أبناؤها * بالنبل والخطي والأسياف - - هتكت بطلحة والزبير ستورها * هذا المخبر عنهم والكافي - واقبل حكيم بن جبلة العبدي وهو على الخيل فانشب القتال وأشرع أصحاب عائشة رماحهم وامسكوا ليمسك حكيم وأصحابه فلم ينته وحكيم يذمر خيله ويركبهم بها ويقول:
- طعنا دراكا انها قريش * ليردبنها جبينها والطبش - واقتتلوا على فم السكة وأشرف أهل الدور ممن كان له في واحد من الفريقين هوى فرموا الآخرين بالحجارة. وحجر الليل بينهم ورجع عثمان إلى القصر واتى أصحاب عائشة إلى ناحية دار الرزق وباتوا يتأهبون وبات الناس يأتونهم واجتمعوا بساحة دار الرزق وأصبح عثمان بن حنيف فناداهم وغدا حكيم بن جبلة فاقتتلوا بدار الرزق قتالا شديدا إلى الزوال وكثر القتل في أصحاب ابن حنيف وكثر الجراح في الفريقين فلما عضتهم الحرب تنادوا إلى الصلح وتوادعوا فكتبوا بينهم كتابا على أن يبعثوا رسولا إلى المدينة يسال أهلها فإن كان طلحة والزبير أكرها على البيعة خرج ابن حنيف عن البصرة والا خرج عنها طلحة والزبير وأرسلوا كعب بن سور إلى المدينة يسألهم فلم يجبه أحد إلا أسامة بن زيد فقال لم يبايعا إلا وهما كارهان، فامر به تمام بن العباس فواثبه سهل بن حنيف والناس، وثار صهيب وأبو أيوب الأنصاري في عدة فيهم محمد بن مسلمة حين خافوا أن يقتل أسامة واخذ صهيب أسامة إلى منزله ورجع كعب وبلغ عليا الخبر فبادر بالكتاب إلى عثمان يعجزه ويقول والله ما أكرها على فرقة ولقد أكرها على جماعة وفضل (1) فان كانا يريدان الخلع فلا عذر لهما وإن كانا يريدان غير ذلك نظرنا ونظروا فقدم الكتاب على عثمان وقدم كعب بن سور فارسلوا إلى عثمان ليخرج فاحتج بالكتاب وقال هذا أمر آخر غير ما كنا فيه فجمع طلحة والزبير الرجال في ليلة مظلمة ذات رياح وندى ومطر ثم قصد المسجد فوافيا صلاة العشاء وكانوا يؤخرونها فأبطأ عثمان بن حنيف فقدما عبد الرحمن بن عتاب فشهر الزط (2) والسبابجة (3) السلاح ثم وضعوه فيهم فاقبلوا عليهم فاقتتلوا في المسجد فقتلوا السبابجة وهم أربعون رجلا فادخلا الرجال على عثمان فاخرجوه إليهما فوطئوه باقدامهم فارسلوا إلى عائشة فقالت اطلقوه وقيل بل قالت اقتلوه فقالت لها امرأة نشدتك الله في عثمان وصحبته لرسول الله ص فقالت احبسوه وقال لهم مجاشع بن مسعود اضربوه وانتفوا لحيته وحاجبيه وأشفار عينيه فضربوه أربعين سوطا ونتفوا لحيته وحاجبيه وأشفار عينيه