الثانية: أصالة الحقيقة التي تقتضي كون الظاهر مرادا له.
الثالثة: أصالة تطابق الإرادة الجدية مع الإرادة الاستعمالية بمعنى كون المتكلم مريدا لمعناه الحقيقي جدا بحيث لا يكون هازلا، ومع كون الدليل فاقد الشئ من هذه المراتب لا يصح الاحتجاج به على العبد، كما هو واضح.
وحينئذ فنقول: إن هنا دليلين: أحدهما: قوله: أكرم العلماء، ثانيهما: قوله:
لا تكرم الفساق منهم، فلو كان الدليل منحصرا في الأول، لكانت المراتب الثلاثة مجتمعة فيه، وحاكمة بوجوب إكرام جميع العلماء جدا، إلا أن جريانها في الدليل الثاني يقتضي كون الإرادة الجدية متعلقة بالزجر عن إكرام الفساق من العلماء، فيرفع اليد بسببه عن الأصل العقلائي الجاري في الأول مع قطع النظر عن الثاني، فيقتصر في جريانه على المورد الخارج عن الدليل المخصص واقعا، فيظهر أن هنا إرادتين جديتين: إحداهما تعلقت بوجوب إكرام العالم الغير الفاسق الواقعي، والاخرى بالزجر عن إكرام الفاسق الواقعي، فإذا شك في فرد أنه هل يكون عالما فاسقا أو غير فاسق؟ فمرجع الشك إلى أنه هل يكون داخلا في المراد بالإرادة الجدية الأولية أو داخلا في المراد بالإرادة الجدية الثانوية؟ فكما أنه لا يجوز التمسك بالخاص والرجوع إليه - كما هو المفروض - للشك في تعلق الإرادة به كذلك لا يجوز التمسك بالعام أيضا، للشك في تعلق الإرادة الجدية به، إذ لا فرق بينهما من هذه الجهة، ومجرد كونه داخلا في العموم بحسب الظاهر لا يقتضي حجيته بالنسبة إليه بعدما عرفت من توقفها على تعلق الإرادة الجدية به أيضا، وهي مقصورة على العالم الغير الفاسق.
ومن هنا يعرف فساد ما ذكره: من أن الخاص لا يعارض العام، لأنه من قبيل مزاحمة الحجة بغير الحجة، فإنك عرفت أن العام أيضا لا يكون حجة حتى يكون من ذاك القبيل، لقصوره عن شموله بما هو حجة، لأن حجيته مقصورة