وقد ذكر المحققون في الجواب عن ذلك تصحيحا للترتب وجوها:
أحدها: ان التكليف بالمهم لما كان معلقا على امر اختياري للمكلف، وهو معصية التكليف الأول أو على امر حصوله بيد المكلف واختياره، وهو كون المكلف ممن يعصى للتكليف الأول جاز تنجزه عند حصول شرطه، ولزوم ايجاد المتنافيين في زمان لا يسع لهما، لا يمنع عن صحة التكليف، لان التكليف بالمحال إذا كان ناشئا من اختيار المكلف لا ضير فيه: إذ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.
وفيه أولا: ان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا لا خطابا، والا فلا فرق في قبح التكليف بالمحال وغير المقدور بين ما إذا كان سبب الخروج عن القدرة هو المكلف، أم كان المكلف به خارجا عن القدرة بنفسه ومن جهة العوامل الخارجية.
وثانيا: انه لو سلم ذلك وانه لا ينافيه خطابا أيضا فإنما هو فيما إذا كان المتعلق مقدورا والعبد بسوء اختياره صيره غير مقدور، لا فيما إذا كان غير مقدور من الأول، وعلق الحكم على امر اختياري كما لو قال: يجب عليك الجمع بين النقيضين ان صعدت على السطح، فإنه لم يتوهم أحد جواز هذا التكليف، والمقام من هذا القبيل فان الجمع بين الضدين محال من الأول وتعليق طلبه على عصيان الامر بالأهم لا يصححه.
الوجه الثاني: ان التكليف المشروط أي التكليف بالمهم ليس في رتبة التكليف المطلق المتعلق بالأهم ومعه لا مانع من تحققهما، توضيح ذلك أن التكليف بالأهم لا يكون مشروطا بوجود متعلقه، ولا مشروطا بعدمه ولو بنتيجة التقييد والا لزم طلب الحاصل أو طلب النقيضين كما هو واضح، وإذا لم يصح التقييد والاشتراط لم يكن فيه اطلاق بالنسبة إليهما، إذ الاطلاق عبارة عن عدم الاشتراط في مورد يسوغ ذلك، لا مجرد عدم الاشتراط، فالتكليف الأول، بالنسبة إلى هذا التقدير لا مطلق ولا مشروط، واما التكليف بالمهم، فهو غير ثابت في المرتبة المتقدمة على العصيان أي عصيان الامر بالأهم لاشتراطه به، بل هو ثابت في المرتبة المتأخرة، فليس شئ من التكليفين ثابتا في مرتبة ثبوت الاخر، والتكليف بالمتنافيين لا يصح إذا كان ذلك في مرتبة واحدة.
وفيه: ان هذه الأحكام احكام للزمان لا للرتبة، فثبوت التكليف بأحد المتنافيين في