والنهى في مورد الاجتماع، مشتملا على ملاك الحكمين معا، ليكون على القول بالجواز محكوما بكلا الحكمين، لفرض وجود الملاك، وعدم المانع من ناحية أخرى. وعلى القول بالامتناع، يكون محكوما بأقوى الملاكين إذا كان أحدهما أقوى، وبحكم آخر غير هذين الحكمين إذا كان الملاكان متساويين، واما لو يكن المجمع مشتملا على الملاكين فلا يكون من هذا الباب، كان مشتملا على ملاك أحدهما أم لا؟
ولكن يرد عليه ان هذه المسألة لا تكون مبتنية على نظر الامامية القائلين بتبعية الاحكام للملاكات الواقعية بل تعم نظر جميع المذاهب حتى مذهب الأشعري المنكر لتبعية الاحكام للملاكات، مع أنه قد مر ان القول بالامتناع يبتنى على سراية النهى من متعلقه إلى ما ينطبق عليه المأمور به، اما لوحدة المجمع وجودا وماهية، أو لعدم تخلف اللازم عن الملزوم في الحكم، والقول بالجواز يكون مبتنيا على عدم السراية، وعليه فأجنبية مسألتنا هذه، عن مسألة تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد الواقعية، واضحة.
ثانيها: انه لو أحرز من الخارج، بان المجمع للمتعلقين مشتمل على ملاك واحد غير المعلوم انه ملاك الامر أو النهى، يقع التعارض بين دليلي الأمر والنهي، ولابد من الرجوع إلى مرجحات ذلك الباب، والا بان لم يحرز ذلك، كان من باب تزاحم المقتضيين، ولابد من اعمال قواعد باب التزاحم.
ويرد عليه ما تقدم في مبحث الضد من أن ملاك التعارض هو تنافى الحكمين في مقام الجعل، اما من ناحية المبدأ أو من ناحية المنتهى، والملاك في التزاحم هو ما إذا لم يكونا متنافيين في مقام الجعل، بل كان بينهما كمال الملائمة، وكان التضاد بين المتعلقين اتفاقيا وكان منشأه عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما في مقام الامتثال اتفاقا - وعليه - فإذا فرض وجود المقتضيين، وفرض ان المجمع واحد وجودا، وماهية، لا محالة يقع المعارضة بين الحكمين: إذ لا يمكن اجتماع المصلحة غير المزاحمة بالمفسدة، أو الغالبة عليها، مع المفسدة كذلك، وأيضا لا يمكن اجتماع الإرادة، والكراهة، وأيضا لا يمكن الامتثال ولا يكون ذلك من باب التزاحم، ولا مورد لأعمال قواعده، وقد مر ان باب تزاحم المقتضيين، غير باب تزاحم الاحكام.