والفاء. قوله (وإما تخافن من قوم خيانة) أي غشا ونقضا للعهد من القوم المعاهدين (فانبذ إليهم) أي فاطرح إليهم العهد الذي بينك وبينهم (على سواء) على طريق مستوية. والمعنى: أنه يخبرهم إخبارا ظاهرا مكشوفا بالنقض ولا يناجزهم الحرب بغتة، وقيل معنى (على سواء) على وجه يستوي في العلم بالنقض أقصاهم وأدناهم، أو تستوي أنت وهم فيه. قال الكسائي: السواء العدل، وقد يكون بمعنى الوسط، ومنه قوله - في سواء الجحيم -، ومنه قول حسان:
يا ويح أنصار النبي ورهطه * بعد المغيب في سواء الملحد ومن الأول قول الشاعر:
فاضرب وجوه الغدر الأعداء * حتى يجيبوك إلى سواء وقيل معنى (فانبذ إليهم على سواء) على جهر لا على سر والظاهر أن هذه الآية عامة في كل معاهد يخاف من وقوع النقض منه. قال ابن عطية: والذي يظهر من ألفاظ القرآن أن أمر بني قريظة انقضى عند قوله (فشرد بهم من خلفهم) ثم ابتدأ تبارك وتعالى في هذه الآية يأمره بما يصنعه في المستقبل مع من يخاف منه خيانة، وجملة (إن الله لا يحب الخائنين) تعليل لما قبلها، يحتمل أن تكون تحذيرا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المناجزة قبل أن ينبذ إليهم على سواء، ويحتمل أن تكون عائدة إلى القوم الذين تخاف منهم الخيانة. قوله (ولا تحسبن) قرأ ابن عامر ويزيد وحمزة وحفص بالياء التحتية، وقرأ الباقون بالمثناة من فوق. فعلى القراءة الأولى يكون الذين كفروا فاعل الحسبان، ويكون مفعوله الأول محذوفا: أي لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم، ومفعوله الثاني سبقوا ومعناه:
فاتوا وأفلتوا من أن يظفر بهم. وعلى القراءة الثانية يكون الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومفعوله الأول الذين كفروا، والثاني سبقوا، وقرئ (إنهم سبقوا) وقرئ " يحسبن " بكسر الياء، وجملة (إنهم لا يعجزون) تعليل لما قبلها: أي إنهم لا يفوتون ولا يجدون طالبهم عاجزا عن إدراكهم. وقرأ ابن عامر أنهم بفتح الهمزة، والباقون بكسرها، وكلا القراءتين مفيدة لكون الجملة تعليلية، وقيل المراد بهذه الآية من أفلت من وقعة بدر من المشركين، والمعنى: أنهم وإن أفلتوا من هذه الوقعة ونجوا فإنهم لا يعجزون، بل هم واقعون في عذاب الله في الدنيا أو في الآخرة. وقد زعم جماعة من النحويين منهم أبو حاتم أن قراءة من قرأ يحسبن بالتحتية لحن، لا تحل القراءة بها لأنه لم يأت ليحسبن بمفعول، وهو يحتاج إلى مفعولين. قال النحاس: وهذا تحامل شديد ومعنى هذه القراءة: ولا يحسبن من خلفهم الذين كفروا سبقوا، فيكون الضمير يعود على ما تقدم إلا أن القراءة بالتاء أبين. وقال المهدوي: يحوز على هذه القراءة أن يكون الذين كفروا فاعلا، والمفعول الأول محذوف. والمعنى ولا يحسبن الذين كفروا أنفسهم سبقوا. قال مكي: ويجوز أن يضمر مع سبقوا " أن " فتسد مسد المفعولين، والتقدير:
ولا يحسبن الذين كفروا أن سبقوا، فهو مثل - أحسب الناس أن يتركوا - في سد أن مسد المفعولين، ثم أمر سبحانه بإعداد القوة للأعداء، والقوة كل ما يتقوى به في الحرب، ومن ذلك السلاح والقسي. وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو على المنبر يقول " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا إن القوة الرمي، قالها ثلاث مرات ". وقيل هي الحصون، والمصير إلى التفسير الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متعين. قوله (ومن رباط الخيل). قرأ الحسن وعمرو بن دينار وأبو حيوة " ومن ربط الخيل " بضم الراء والباء ككتب: جمع كتاب. قال أبو حاتم: الرباط من الخيل الخمس فما فوقها، وهي الخيل التي ترتبط بإزاء العدو، ومنه قول الشاعر: