أحدهما: أنه لما نزل قوله تعالى: (ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له) ونزل قوله (كمثل العنكبوت اتخذت بيتا). قالت اليهود: وما هذا من الأمثال؟! فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس والحسن وقتادة ومقاتل والفراء.
والثاني: أنه لما ضرب الله المثلين المتقدمين، وهما قوله [تعالى]: (كمثل الذي استوقد نارا) وقوله: (أو كصيب) قال المنافقون: الله أجل وأعلى من أن يضرب هذه الأمثال، فنزلت هذه الآية، رواه السدي عن أشياخه. وروي عن الحسن ومجاهد نحوه.
والحياء بالمد: الانقباض والاحتشام، غير أن صفات الحق عز وجل لا يطلع لها على ماهية وإنما تمر كما جاءت. وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " إن ربكم حيي كريم " وقيل: معنى لا يستحيي: لا يترك [لأن كل ما يستحيي منه يترك] وحكى ابن جرير الطبري عن بعض اللغويين أن معنى لا يستحيي: لا يخشى. ومثله (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) أي: تستحيي منه. فالاستحياء.
والخشية أينوب كل واحد منهما عن الآخر. وقرأ مجاهد وابن محيصن: لا يستحي بياء واحدة، وهي لغة.
وقوله [تعالى]: (أن يضرب مثلا).
قال ابن عباس: أن يذكر شبها، واعلم أن فائدة المثل أن يبين للمضروب له الأمر الذي ضرب لأجله، فينجلي غامضه.
قوله [تعالى]: (ما بعوضة).
ما زائدة، وهذا اختيار أبي عبيدة والزجاج والبصريين. وأنشدوا للنابغة:
قالت: ألا ليتما هذا الحمام لنا وذكر أبو جعفر الطبري ان المعنى: ما بين بعوضة إلى ما فوقها، ثم حذف ذكر: " بين " و " إلى " إذ كان في نصب البعوضة، ودخول الفاء في " ما " الثانية، دلالة عليهما، كما قالت العرب: مطرنا ما زبالة فالثعلبية، وله عشرون ما ناقة فجملا، وهي أحسن الناس ما قرنا فقدما. وقال غيره: نصب البعوضة على البدل من المثل. وروى الأصمعي عن نافع: " بعوضة " بالرفع، على إضمار هو والبعوضة: صغيرة البق.
وفي قوله [تعالى]: (فما فوقها) فيه قولان: