سبب نزولها أن اليهود قالوا: هذا الذي يأتينا به محمد لا يشبه الوحي، وإنا لفي شك منه، فنزلت هذه الآية. وهذا مروي عن ابن عباس ومقاتل. و " إن " ها هنا لغير شك، لأن الله تعالى علم أنهم مرتابون، ولكن هذا عادة العرب، يقول الرجل لابنه: إن كنت ابني فأطعني. وقيل:
إنها هاهنا بمعنى إذ، قال أبو زيد: ومنه قوله تعالى: (وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين).
قوله [تعالى]: (فأتوا بسورة من مثله) قال ابن قتيبة: السورة تهمز ولا تهمز، فمن همزها جعلها من أسأرت، يعني أفضلت لأنها قطعة من القرآن، ومن لم يهمزها جعلها من سورة البناء، أي منزلة بعد منزلة. قال النابغة في النعمان:
ألم تر أن الله أعطاك سورة * ترى كل ملك دونها يتذبذب والسورة في هذا البيت: سورة المجد، وهي مستعارة من سورة البناء. وقال ابن الأنباري:
قال أبو عبيدة: إنما سميت السورة سورة لأنه يرتفع فيها من منزلة إلى منزلة، مثل سورة البناء.
ومعنى: أعطاك سورة، أي: منزلة شرف ارتفعت إليها عن منازل الملوك. قال ابن القاسم:
ويجوز أن تكون سميت سورة لشرفها، تقول العرب: له سورة في المجد، أي: شرف وارتفاع، أو لأنها قطعة من القرآن من قولك: أسأرت سؤرا، أي: أبقيت بقية، وفي هاء " مثله " قولان:
أحدهما: أنها تعود على القرآن المنزل، قاله قتادة، والفراء ومقاتل.
والثاني: أنها تعود على النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، فيكون التقدير: فأتوا بسورة من مثل هذا العبد الأمي، ذكره أبو عبيدة والزجاج وابن القاسم. فعلى هذا القول تكون " من " لابتداء الغاية، وعلى الأول: تكون زائدة.
قوله [تعالى]: (وادعوا).
فيه قولان:
أحدهما: أن معناه: استعينوا من المعونة، قاله السدي والفراء.
والثاني: استغيثوا من الاستغاثة، وأنشدوا:
فلما التقت فرساننا ورجالهم * دعوا يال كعب واعتزينا لعامر وهذا قول ابن قتيبة:
وفي شهدائهم ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم آلهتهم، قاله ابن عباس والسدي ومقاتل والفراء. قال ابن قتيبة: وسموا شهداء، لأنهم يشهدونهم، ويحضرونهم. وقال غيره: لأنهم عبدوهم ليشهدوا لهم عند الله.