هل هو في نظام جمله أو بلاغة وفصاحة مفرداته وألفاظه الخاصة، أو هو في نظام نزوله واشتماله على الحقائق العرفانية والحكمية، أو على النظام السياسي المدني والقطري، أو على الأحكام الفردية والاجتماعية، أو في الكل إعجاز وغلبة وقهر وتحد، فكله غفلة عن حقيقة الحال وذهول عن أساس المقام، فإن التشبث بهذه الأمور من التشبث والتمسك بالبراهين الإنية على الذي قام عليه البرهان اللمي، وما عليه البرهان اللمي لا يحتاج إلى الإني. فعليك بالفحص والبحث عن مبادئ هذا النحو من التنزيل وعليك بالتأمل والتدبر في الأسباب المنتهي إلى هذا الحادث الغريب العجيب، الذي يخضع لديه كل مفكر متدبر وكل مخترع مبتكر وكل ذي عقل عال وذي عمل غال، وأما النظر إلى محتويات هذا السفر القيم، ولو كان حسنا ومفيدا وموجبا للتحير والاعتراف بالعجز والفتور، إلا أن ذلك النظر أكثر عجبا وأشد وطءا وأقوم قيلا.
فإن الأشخاص المدعين الإتيان بمثله سلفا وخلفا، لأجل ذهولهم عن الشرائط والمعدات والمقارنات والإمكانات القديمة الدخيلة في حصول هذا النزول، تصدوا لأمرهم الفاسد الفاشل، وأما لو كانوا يقيسون أحوالهم الشخصية وعشرتهم القومية بأحواله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعشرته، ولو كانوا يتدبرون في تأريخ حياته الفردية وأفكاره وأعماله القيمة وأمانته وصلابته ويقيسونها بتأريخ حياتهم وكيفية حشرهم وفعلهم وأعمالهم، ولو كانوا يلاحظون تأريخ عشرة آبائه وأمهاته (صلى الله عليه وآله وسلم) ويتدبرون في ما عندهم، لما قالوا بما فضحوا به أنفسهم، ولما نهضوا بما استحيوا به وأخجلوا وراثهم وكيانهم، ولا ترنموا بتلك الجمل والسور المضحكة الأضحوكة، فكل هذه