وبالجملة: لابد من كون الآية صدرا وذيلا على وجه واحد، وأن تسير الآية الشريفة مسيرا فاردا، وتكون على منهج وحيد وفرض فريد، ولو كانوا بحسب الواقع وتأريخ النزول مفترين في دعواهم وفي قولهم: إنه كلام يشبه كلام الآدميين مادة وصورة، أو في دعواهم أنهم مرتابين مع أنهم يعتقدون الخلاف، أو كانوا من المعتقدين بأنه كلام الله وكلام ساطع على كلام البشر.
فعلى هذا يتعين أن تكون الجملة الأخيرة - بحسب موازين البلاغة - مرتبطة بالمضمون السابق، المستفاد من الشرطية الأخيرة، وهو قوله تعالى: * (وادعوا شهداءكم من دون الله) * وقد أخرت عنه لما فيه إفادة أن جهة الصدق والكذب مرتبطة بها، ولو قدمت عليه للزم قوة كون الصدق والكذب بلحاظ القضية السابقة والشرطية الأولى ومضمونها.
فعلى ما تحصل: يكون الصدق والكذب بلحاظ لازم القضية، وهو تشبثهم بالأوثان والأصنام في ما يتوجه إليهم من البلايا والآلام، واعتقادهم أن الفرج يحصل بالاستمداد منهم، فإن كنتم صادقين في هذه المهمة، فادعوا شهداءكم منهم الذين هم غير الله تعالى.
ولعمري إن الآية تشتمل على نهاية الأدب في الكلام وغاية الجد في إعلام الإعجاز من دون تهكم واستهزاء، وفي آخر درجة الإفهام والإرشاد إلى الصواب وإلى تركهم عبادة الأوثان والأصنام وتدينهم بها، وفيها التوجيه العلمي البرهاني الوجداني إلى سقوطهم، وأنهم لا يضرون ولا ينفعون. وهذا من عجائب البلاغة وغرائب الالتفات واللطف.
وما أبعد ما بين ذلك وبين ما في كتب التفاسير، من المحتملات