ادعوا شهداءكم من دون الله، كما عليه الجمهور، فيبقى المراد أولا، ووجه الإتيان بها ثانيا.
والذي يظهر لي: هو أن الدعاء هو النداء للانتصار، والشهداء مورد النداء أو الطلب للنصرة والشهادة بنفعهم، فيكون بحسب الطبع في هذا المجال أمرهم ومهمهم ذلك، وإذا كان هذا في نفوسهم عظيما، فلابد أن يراجعوا الذين يعتقدون بأنهم ينصرونهم وينفعونهم - وهم أوثانهم وأصنامهم - فيرجعون إليهم حسب طينتهم واعتقادهم، حتى ينجوا من هذه المعركة الدائرة عليهم الحياة والممات فيها، فيرشدهم القرآن إلى أن يدعوا شهداءهم من غير الله فالشهداء هم الاناس ومن غير الله هم الأوثان والأصنام، فهذا أمر طبيعي لكل من يقع في مخمصة التضاد الاجتماعي، وفي معضلة الحوار في الحياة الروحية، فإن الغريق يتشبث بكل حشيش.
وعندما تلاحظ هذه النواحي الموجودة في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، يتبين أن الآية على أرفع وجه وأسنى درجة وأعلى إرفاق بهم في توجيههم إلى ما يمكنهم في أمرهم حسب تخيلاتهم وأوهامهم، فهداهم إلى أن يطلبوا من غير الله من شهدائهم وناصريهم، ووجههم إلى أن ينادوا من غير الله، ويدعوا من غير الله أعوانهم وأصدقائهم. وهذا لا ينافي أن يدعوا غير الأوثان أيضا، ولكن في هذا الحال طبعا يلزم تنبيههم إلى هذه الطريقة التي اتخذوها في أمورهم ومشاكلهم، فإنهم كثيرا ما يرجعون إلى هذه الأشكال والألوان لحل معضلاتهم وهضم مهماتهم الاجتماعية والفردية، فكانوا يذبحون لهم حتى