فهذه الآية تنادي بأعلى صوتها: أن هذه الصنيعة باطلة، وتلك الطريقة عاطلة وفاسدة جدا.
أقول: قد مضى شطر من البحث حول المسألة في سورة الفاتحة (1)، وإجمال الكلام في المقام: أن ابتغاء الوسيلة لحل المشاكل الدنيوية والأخروية والجسمية والروحية، مما لابد منه في الحياة في جميع النشآت، لأن قانون العلية والمعلولية عام، والوصول إلى المعلول بغير العلة غير ممكن، فإذا كانت العلة مما لابد منها، فإن كان بين المعلول والعلة الكلية سنخية، فلا منع من إيكال الأمر إليها حتى ينحل به الأمر والمعضلة، ويدعو العبد تلك العلة العامة، وأما إذا فقدت السنخية بينهما، فلابد من التوسل بعلة مسانخة لتلك المشاكل والمعضلات. هذا في وادي العقل.
وأما في وادي الشرع فيتوجه إلى هذه:
أولا: أن هذه الآية لا تدل إلا على منع العرب المشركين واليهود والنصارى، المتخذين أربابا من دون الله على وجه خاص، يكونون شركاء في العبادة أو التأثير الحقيقي بتبديل الأمور عما تكون عليها، وأما منع المسلمين عن الاستعانة والالتجاء فلا، لما أن الضرورة تقضي بأن ذلك ليس من الشرك والند والضد لله تعالى، وهذا يظهر من التدبر في الأمور الدنيوية الجزئية وفي أمر المعاش، فإن في كل آن يتساند واحد بواحد ويتكئ انسان بانسان، ولا يعد ذلك من جعل الأنداد.