قلت: مفاد الأخيرة: أنهم ما كانوا مهتدين بالهدايات الاكتسابية، وما كانوا متأثرين من ناحية العوامل الخارجية.
ومفاد صدرها: أنهم باعوا الهداية الأولية الفطرية التي يولد عليها كل مولود، وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها.
وأيضا فيه إشعار: بأن ما أصابهم من سيئة فمن أنفسهم، وما أصابهم من حسنة فمن الله، فإن الضلالة من سوء فعالهم، فيكون نسبتها إليهم أقوى من نسبتها إلى الله. وأما الهداية التي باعوها فهي من الله، وتكون نسبتها إليه تعالى أقوى وأقرب.
فالضلالة في هذه الآية منسوبة إلى المنافقين، وأنهم أضلوا أنفسهم بالاختيار والإرادة.
وأما أن الهداية التي جعلوها ثمنا وعوضا، فهل هي حصلت لهم بالاختيار أم لا؟ فالآية ساكتة من هذه الجهة، إلا أن من جواز الاستبدال يظهر أن الهداية أيضا تحت الاختيار بقاء وإن لم تكن حدوثا تحته ومورد القدرة والإرادة، كما في الهداية الذاتية والسعادة الطبعية.
ومن هنا يظهر فساد مقالة القائلين بأن الضلالة والهداية من مخلوقات الله ومن أفعاله تعالى، ولا يذم عليها ولا يمدح (1).
وأيضا تدل الآية على صحة تقبيح المنافقين، ولا يصح ذلك إلا بالنسبة إلى الأمور الاختيارية، فتكون من هذه الجهة أيضا دليلا على اختيارية الضلالة والهداية، وأنهم أقرب إلى أفعالهم السيئة من الله