وتحذيره، وتحذير الرجل عنه، وإنذاره به، وحثه على الاستعداد له.
ومعنى الآية: إن الله يستشهد يوم القيامة كل نبي على أمته، فيشهد لهم وعليهم، ويستشهد نبينا على أمته، وفي الآية مبالغة في الحث على الطاعة، واجتناب المعصية، والزجر عن كل ما يستحى منه على رؤوس الاشهاد، لأنه يشهد للانسان، وعليه يوم القيامة شهود عدول، لا يتوقف في الحكم بشهادتهم، ولا يتوقع القدح فيهم، وهم الأنبياء والمعصومون، والكرام الكاتبون، والجوارح، والمكان، والزمان، كما قال تعالى (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس) وقال: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)، وقال: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا)، و (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون). وفي بعض الأخبار: المكان والزمان يشهدان على الرجل بأعماله، فليتذكر العاقل هذه الشهادة، ليستعد بهذه الحالة، فكأن قد وقعت، وكأن الشهادة قد أقيمت. وروي أن عبد الله بن مسعود قرأ هذه الآية على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ففاضت عيناه، فإذا كان الشاهد يفيض عيناه، لهول هذه المقالة، وعظم هذه الحالة، فماذا لعمري ينبغي أن يصنع المشهود عليه؟
(يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض) معناه: لو تجعلون والأرض سواء كما قال تعالى: (ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا)، ومن التسوية قوله: (بلى قادرين على أن نسوي بنانه): أي نجعلها صفيحة واحدة، لا يفصل بعضها عن بعض، فيكون كالكف، فيعجز لذلك عما يستعان عليه من الاعمال بالبنان. وروي عن ابن عباس ان معناه يودون أن يمشي عليهم أهل الجمع، يطؤونهم بأقدامهم، كما يطأون الأرض.
وعلى القول الأول: فالمراد به أن الكفار يوم القيامة يودون أنهم لم يبعثوا، وأنهم كانوا والأرض سواء، لعلمهم بما يصيرون إليه من العذاب، والخلود في النار.
وروي أيضا أن البهائم يوم القيامة تصير ترابا، فيتمنى عند ذلك الكفار أنهم صاروا كذلك ترابا. وهذا لا يجيزه إلا من قال: إن العوض منقطع، وهو الصحيح. ومن قال: إن العوض دائم لم يصحح هذا الخبر. وقوله (ولا يكتمون الله حديثا) قيل فيه أقوال أحدها: إنه عطف على قوله (لو تسوى) أي ويودون أن لو لم يكتموا الله حديثا، لأنهم إذا سئلوا قالوا: (والله ربنا ما كنا مشركين) فتشهد عليهم جوارحهم،