الإعراب: قيل في (من) ههنا واتصاله وجهان أحدهما: إنه تبيين ل (الذين أوتوا نصيبا من الكتاب)، فيكون العامل، فيه (أوتوا)، وهو في صلة (الذين)، ويجوز أن لا يكون في الصلة كما تقول: أنظر إلى النفر من قومك ما صنعوا. الثاني: أن يكون على الاستئناف، والتقدير: من الذين هادوا فريق يحرفون الكلم، فألقي الموصوف لدلالة الصفة عليه، كما قال ذو الرمة:
فظلوا ومنهم دمعه سابق له * وآخر يثني دمعة العين بالمهل (1) وأنشد سيبويه:
وما الدهر إلا تارتان فمنهما * أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح (2) وقال الفراء: المحذوف من الموصولة، والتقدير من الذين هادوا، من يحرفون الكلم، كما يقولون منا يقول ذلك، ومنا لا يقوله. قال: والعرب تضمر من في مبتدأ الكلام ب (من)، لان من بعض لما هي منه كما قال تعالى: (وما منا إلا له مقام معلوم وإن منكم إلا واردها). وأنكر المبرد والزجاج هذا القول، قالا: لان من يحتاج إلى صلة، أو صفة تقوم مقام الصلة، فلا يحسن حذف الموصول مع بقاء الصلة، كما لا يحسن حذف بعض الكلمة، و (غير مسمع) نصب على الحال.
(وراعنا): من نونها جعلها كلمة الامر، كقولك رويدا وهنيئا، ومن لم ينون جعلها من المراعاة كما تقول قاضنا. (ليا): مصدر وضع موضع الحال، وكذلك قوله:
(وطعنا)، وتقديره يلوون ألسنتهم ليا، ويطعنون في الدين طعنا، إلا قليلا، تقديره يؤمنون، وهم قليل، فيكون (قليلا) منتصبا على الحال، ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف تقديره إيمانا قليلا، كما قال الشاعر:
فألفيته غير مستعتب * ولا ذاكر الله إلا قليلا (3) يريد إلا ذكرا قليلا، وسقط التنوين من ذاكر، لاجتماع الساكنين.