في الديارات والصوامع، فأنزل الله الآية.
وروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: نزلت في علي، وبلال، وعثمان بن مظعون. فأما علي عليه السلام فإنه حلف أن لا ينام بالليل أبدا إلا ما شاء الله، وأما بلال فإنه حلف أن لا يفطر بالنهار أبدا، وأما عثمان بن مظعون، فإنه حلف أن لا ينكح أبدا.
المعنى: لما تقدم ذكر الرهبان، وكانوا قد حرموا على أنفسهم الطيبات، نهى الله المؤمنين عن ذلك، فقال (يا أيها الذين آمنوا) أي: يا أيها المؤمنون (لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) وهو يحتمل وجوها، منها: أن يريد لا تعتقدوا تحريمها. ومنها: أن يريد لا تظهروا تحريمها. ومنها: أن يريد لا تحرموها على غيركم بالفتوى والحكم. ومنها. أن يريد لا تجروها مجرى المحرمات في شدة الاجتناب. ومنها: أن يريد لا تلتزموا تحريمها بنذر أو يمين. فوجب حمل الآية على جميع هذه الوجوه. والطيبات: اللذيذات التي تشتهيها النفوس، وتميل إليها القلوب، وقد يقال الطيب: بمعنى الحلال، كما يقال يطيب له كذا: أي يحل له.
ولا يليق ذلك بهذا الموضع.
(ولا تعتدوا) أي: لا تتعدوا حدود الله وأحكامه. وقيل: معناه لا تجبوا أنفسكم فسمي الخصاء اعتداء، عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والأول أعم فائدة (إن الله لا يحب المعتدين) معناه يبغضهم، ويريد الانتقام منهم (وكلوا مما رزقكم الله) لفظه أمر، والمراد به الإباحة (حلالا طيبا) أي: مباحا لذيذا ويسأل هنا فيقال: إذا كان الرزق كله حلالا، فلم قيد ههنا فقال حلالا؟ والجواب: إنه إنما ذكر حلالا على وجه التأكيد، كما قال (وكلم الله موسى تكليما) وقد أطلق الله تعالى في موضع آخر على وجه المدح، وهو قوله (ومما رزقناهم ينفقون) وقال ابن عباس: يريد من طيبات الرزق: اللحم وغيره (واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون) هذا استدعاء إلى التقوى بألطف الوجوه، وتقديره: أيها المؤمنون بالله، لا تضيعوا إيمانكم بالتقصير في التقوى، فيكون عليكم الحسرة العظمى، واتقوا في تحريم ما أحل الله لكم، وفي جميع معاصيه من به تؤمنون، وهو الله تعالى.
وفي هاتين الآيتين، دلالة على كراهة التخلي، والتفرد، والتوحش، والخروج عما عليه الجمهور في التناسل، وطلب الولد، وعمارة الأرض. وقد روي أن