من الكاف الذي هو خطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، والأول أقوى، لأجل حرف العطف، لأنه قال (وأنزلنا إليك الكتاب مصدقا ومهيمنا) ولا يجوز أن يعطف حال على حال لغير الأول، لا تقول ضربت هند زيدا قاعدا وقائمة، ولو قلت قائمة بغير واو لجاز.
ويجوز أن يكون عطفا على (مصدقا) ويكون (مصدقا) حالا للنبي، والأول أظهر.
المعنى: لما بين تعالى نبوة موسى وعيسى، عقب ذلك ببيان نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم احتجاجا على اليهود والنصارى، بأن طريقته كطريقتهم في الوحي والمعجز، فقال:
(وأنزلنا إليك) يا محمد (الكتاب) يعني: القرآن (بالحق) أي: بالعدل (مصدقا لما بين يديه من الكتاب): يعني التوراة والإنجيل، وما فيهما من توحيد الله، وعدله، والدلالة على نبوته، والحكم بالرجم والقود على ما تقدم ذكره. وقيل:
المراد بالكتاب الكتب المنزلة على الأنبياء، ومعنى الكتاب: المكتوب، كقولهم هذه الدراهم ضرب الأمير أي: مضروبه، عن أبي مسلم.
(ومهيمنا عليه): معناه وأمينا عليه، شاهدا بأنه الحق، عن ابن عباس، والحسن، وقتادة، ومجاهد. وقيل: مؤتمنا عن سعيد بن جبير، وأبي عبيدة، وابن جريج، وهو قريب من الأول. قال ابن جريج: أمانة القرآن أن ما أخبر به الكتب إن كان موافقا للقرآن يجب التصديق به، وإلا فلا. وقيل: معناه وحافظا ورقيبا عليه، عن الحسن، وأبي عبيدة، قالوا: وفيه دلالة على أن ما حكى الله أنه كتبه عليهم في التوراة، يلزمنا العمل به لأنه جعل القرآن مصدقا لذلك، وشاهدا به (فاحكم بينهم بما أنزل الله) يعني بين اليهود بالقرآن في الرجم على الزانين، عن ابن عباس، قال: إذا ترافع أهل الكتاب إلى الحكام، يجب أن يحكموا بينهم بحكم القرآن، وشريعة الاسلام، لأنه أمر من الله بالحكم بينهم، والامر يقتضي الايجاب، وبه قال الحسن، ومسروق، وقال الجبائي: وهذا ناسخ للتخيير في الحكم بين أهل الكتاب، أو الاعراض عنهم والترك.
(ولا تتبع أهواءهم) يريد: فيما حرفوا وبدلوا من أمر الرجم، عن ابن عباس (عما جاءك من الحق) ويجوز أن يكون عن من صلة معنى لا تتبع أهواءهم، لان معناه لا تزغ، فكأنه قال لا تزغ عما جاءك باتباع أهوائهم.
ومتى قيل: كيف يجوز أن يتبع النبي أهواءهم مع كونه معصوما؟ فالجواب: