نزلت هذه الآية، وأذن بلال، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المسجد، وإذا مسكين يسأل، فقال عليه السلام: ماذا أعطيت؟ قال: خاتم من فضة. قال: من أعطاكه؟ قال:
ذلك القائم، فإذا هو علي، قال: على أي حال أعطاكه؟ قال: أعطاني وهو راكع.
فكبر رسول الله وقال: (ومن يتول الله ورسوله) الآية.
المعنى: ثم بين تعالى من له الولاية على الخلق، والقيام بأمورهم، وتجب طاعته عليهم، فقال (إنما وليكم الله ورسوله) أي: الذي يتولى مصالحكم، ويتحقق تدبيركم هو الله تعالى، ورسوله يفعله بأمر الله (والذين آمنوا)، ثم وصف الذين آمنوا فقال (الذين يقيمون الصلاة) بشرائطها (ويؤتون) أي: ويعطون (الزكاة وهم راكعون) أي: في حال الركوع.
وهذه الآية من أوضح الدلائل على صحة إمامة علي بعد النبي بلا فصل، والوجه فيه أنه إذا ثبت أن لفظة (وليكم) تفيد من هو أولى بتدبير أموركم، ويجب طاعته عليكم، وثبت أن المراد ب (الذين آمنوا) علي، ثبت النص عليه بالإمامة ووضح والذي يدل على الأول هو الرجوع إلى اللغة، فمن تأملها علم أن القوم نصوا على ذلك، وقد ذكرنا قول أهل اللغة فيه قبل، فلا وجه لإعادته، ثم الذي يدل على أنها في الآية تفيد ذلك دون غيره، أن لفظة (إنما) على ما تقدم ذكره تقتضي التخصيص، ونفي الحكم عمن عدا المذكور، كما يقولون: إنما الفصاحة للجاهلية، يعنون نفي الفصاحة عن غيرهم، وإذا تقرر هذا لم يجز حمل لفظة الولي على الموالاة في الدين والمحبة، لأنه لا تخصيص في هذا المعنى لمؤمن دون مؤمن آخر، والمؤمنون كلهم مشتركون في هذا المعنى، كما قال سبحانه (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) وإذا لم يجز حمله على ذلك، لم يبق إلا الوجه الآخر، وهو التحقق بالأمور، وما يقتضي فرض الطاعة على الجمهور، لأنه لا محتمل للفظه إلا الوجهان. فإذا بطل أحدهما ثبت الآخر.
والذي يدل على أن المعني ب (الذين آمنوا) هو علي: الرواية الواردة من طريق العامة والخاصة بنزول الآية فيه، لما تصدق بخاتمه في حال الركوع، وقد تقدم ذكرها، وأيضا فإن كل من قال إن المراد بلفظة (ولي) ما يرجع إلى فرض الطاعة والإمامة، ذهب إلى أنه هو المقصود بالآية، والمتفرد بمعناها، ولا أحد من الأمة يذهب إلى أن هذه اللفظة تقتضي ما ذكرناه، ويذهب إلى أن المعني بها سواه، وليس