وأحباؤه) قيل: إن اليهود قالوا نحن في القرب من الله بمنزلة الابن من أبيه، والنصارى لما قالوا للمسيح ابن الله، جعلوا نفوسهم أبناء الله وأحباؤه، لأنهم تأولوا ما في الإنجيل من قول المسيح: " أذهب إلى أبي وأبيكم " عن الحسن. وقيل: إن جماعة من اليهود منهم كعب بن الأشرف، وكعب بن أسيد، وزيد بن التابوه، وغيرهم، قالوا لنبي الله حين حذرهم بنقمات الله وعقوباته: لا تخوفنا فإنا أبناء الله وأحباؤه، فإن غضب علينا، فإنما يغضب كغضب الرجل على ولده، يعني أنه يزول عن قريب، عن ابن عباس. وقيل: إنه لما قال قوم إن المسيح ابن الله، أجرى ذلك على جميعهم، كما تقول العرب هذيل شعراء أي: فيهم شعراء، وكما قالوا في رهط مسيلمة: قالوا نحن أنبياء أي: قال قائلهم، وكما قال جرير (ندسنا أبا مندوسة القين بالقنا) (1) فقال ندسنا، وإنما كان الناس رجل من قوم جرير، ثم قال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم (قل) لهؤلاء المفترين على ربهم (فلم يعذبكم بذنوبكم) أي: فلأي شئ يعذبكم بذنوبكم إن كان الامر على ما زعمتم، فإن الأب يشفق على ولده، والحبيب على حبيبه، فلا يعذبه، وهم يقرون بأنهم يعذبون، لو لم يقولوا به كذبوا بكتابهم، وقد أقرت اليهود بأنهم يعذبون أربعين يوما، عدد الأيام التي عبدوا فيها العجل.
وقيل: إن معناه الماضي، وإن كان لفظه المستقبل، أي: فلم عذبكم الله، وقد أقررتم بأنه عذبكم عند عبادتكم العجل، وعذبكم بأن جعل منكم القردة والخنازير، وخلى بينكم وبين بخت نصر، حتى فعل بكم ما فعل، والحبيب لا يعذب حبيبه، فلو كنتم أحباءه لما عذبكم (بل أنتم بشر ممن خلق) أي ليس الامر على ما قلت، إنكم أبناء الله، وأحباؤه، بل أنتم خلق من بني آدم، إن أحسنتم جوزيتم على إحسانكم، وإن أسأتم جوزيتم على إساءتكم كما يجازى غيركم، وليس لكم عند الله إلا ما لغيركم من خلقه.
(يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء): وإنما علق العذاب بالمشيئة، مع أنه سبحانه لا يشاء العقوبة، إلا لمن كان عاصيا، لما في ذلك من البلاغة والإيجاز، برد الأمور إلى العالم الحكيم، الذي يجريها على وجه الحكمة (ولله ملك السماوات