(أن تضعوا أسلحتكم) إذا ضعفتم عن حملها، لكن إذا وضعتموها فاحترسوا منهم، (وخذوا حذركم) لئلا يميلوا عليكم، وأنتم غافلون (إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا). مذلا يبقون فيه أبدا.
وفي الآية دلالة على صدق النبي، وصحة نبوته، وذلك أنها نزلت والنبي بعسفان، والمشركون بضجنان فتواقفوا، فصلى النبي وأصحابه صلاة الظهر، بتمام الركوع والسجود، فهم المشركون بأن يغيروا عليهم، فقال بعضهم: إن لهم صلاة أخرى أحب إليهم من هذه، يعنون صلاة العصر، فأنزل الله عليه هذه الآية، فصلى بهم العصر صلاة الخوف، وكان ذلك سبب إسلام خالد بن الوليد القصة.
وفيها دلالة أخرى: ذكر أبو حمزة في تفسيره أن النبي غزا محاربا، وبني أنمار، فهزمهم الله، وأحرزوا الذراري والمال، فنزل رسول الله والمسلمون، ولا يرون من العدو واحدا، فوضعوا أسلحتهم، وخرج رسول الله ليقضي حاجته، وقد وضع سلاحه، فجعل بينه وبين أصحابه الوادي، فإلى أن يفرغ من حاجته، وقد درأ الوادي، والسماء ترش، فحال الوادي بين رسول الله وبين أصحابه، وجلس في ظل شجرة، فبصر به غورث بن الحارث المحاربي، فقال له أصحابه: يا غورث هذا محمد قد انقلع من أصحابه! فقال: قتلني الله إن لم أقتله! وانحدر من الجبل، ومعه السيف، ولم يشعر به رسول الله إلا وهو قائم على رأسه، ومعه السيف قد سله من غمده، وقال: يا محمد من يعصمك مني الآن؟ فقال الرسول: الله، فانكب عدو الله لوجهه، فقام رسول الله، فأخذ سيفه وقال: يا غورث من يمنعك مني الآن؟
قال: لا أحد. قال: أتشهد أن لا إله إلا الله وأني عبد الله ورسوله؟ قال: لا، ولكني أعهد أن لا أقاتلك أبدا، ولا أعين عليك عدوا. فأعطاه رسول الله سيفه، فقال له غورث: والله لأنت خير مني! قال عليه السلام: إني أحق بذلك. وخرج غورث إلى أصحابه، فقالوا: يا غورث لقد رأيناك قائما على رأسه بالسيف، فما منعك منه؟
قال: الله. أهويت له بالسيف لأضربه، فما أدري من زلجني (1) بين كتفي، فخررت لوجهي، وخر سيفي، وسبقني إليه محمد، وأخذه، ولم يلبث الوادي أن سكن.