ظننتم بأن يخفى الذي قد صنعتموا * وفينا نبي عنده الوحي واضعه فحملت رحله على رأسها، فألقته بالأبطح، وقالت: ما كنت تأتيني بخير.
أهديت إلي شعر حسان، هذا قول مجاهد، وقتادة بن النعمان، وعكرمة، وابن جريج، إلا أن عكرمة قال (1): إن بني أبيرق طرحوا ذلك على يهودي يقال له زيد بن السهين، فجاء اليهودي إلى رسول الله، وجاء بنو أبيرق إليه، وكلموه أن يجادل عنهم، فهم رسول الله أن يفعل، وأن يعاقب اليهودي، فنزلت الآية وبه قال ابن عباس. وقال الضحاك: نزلت في رجل من الأنصار، استودع درعا، فجحد صاحبها، فخونه رجال من أصحاب النبي، فغضب له قومه، فقالوا: يا نبي الله!
خون صاحبنا، وهو مسلم أمين! فعذره النبي، وكذب عنه، وهو يرى أنه برئ مكذوب عليه، فأنزل الله فيه الآيات. واختار الطبري هذا الوجه قال: لان الخيانة إنما تكون في الوديعة، لا في السرقة.
المعنى: ثم خاطب الله نبيه فقال: (إنا أنزلنا إليك) يا محمد (الكتاب) يعني: القرآن (بالحق) الذي يجب لله على عباده. وقيل معناه: إنك به أحق (لتحكم) يا محمد (بين الناس بما أراك الله) أي أعلمك الله في كتابه (ولا تكن للخائنين خصيما) نهاه أن يكون لمن خان مسلما، أو معاهدا في نفسه، أو ماله، خصيما يدافع من طالبه عنه بحقه الذي خانه فيه، ويخاصم. ثم قال (واستغفر الله): أمره بأن يستغفر الله في مخاصمته عن الخائن (إن الله كان غفورا رحيما) يصفح عن ذنوب عباده المسلمين، ويترك مؤاخذتهم بها.
والخطاب وإن توجه إلى النبي، من حيث خاصم عمن رآه على ظاهر الايمان والعدالة، وكان في الباطن بخلافه، فالمراد بذلك أمته، وإنما ذكر ذلك على وجه التأديب له في أن لا يبادر بالخصام والدفاع عن خصم، إلا بعد أن يتبين وجه الحق فيه، جل نبي الله عن جميع المعاصي والقبائح. وقيل: إنه لم يخاصم عن الخصم، وإنما هم بذلك، فعاتبه الله عليه.
النظم: وجه اتصال الآية بما قبلها: إنه لما تقدم ذكر المنافقين والكافرين، والامر بمجانبتهم، عقب ذلك بذكر الخائنين، والامر باجتناب الدفع عنهم. وقيل: