توابا رحيما [64] الإعراب: ما في قوله (وما أرسلنا): نافية فلذلك قال (من رسول) لان من لا تزاد في الإيجاب، وزيادتها تؤذن باستغراق الكلام كقولك: ما جاءني من أحد. ولو موضوعة للفعل لما فيها من معنى الجزاء، تقول: لو كان كذا لكان كذا. ولا تأتي بعدها إلا أن خاصة، وإنما أجيز في أن خاصة أن تقع بعدها، لأنها كالفعل في إفادة التأكيد. فموضع أن بعد لو مع اسمها وخبرها، رفع بكونه فاعل الفعل المضمر بعد لو، وتقديره لو وقع أنهم جاؤوك وقت ظلمهم أنفسهم: أي لو وقع مجيئهم.
المعنى: ثم لأمهم سبحانه على ردهم أمره، وذكر أن غرضه من البعثة الطاعة، فقال: (وما أرسلنا من رسول): أي لم نرسل رسولا من رسلنا (إلا ليطاع) عني به أن الغرض من الإرسال أن يطاع الرسول، ويمتثل بما يأمر به، وإنما اقتضى ذكر طاعة الرسول هنا أن هؤلاء المنافقين الذين يتحاكمون إلى الطاغوت، زعموا أنهم يؤمنون به، وأعرضوا عن طاعته، فبين الله أنه لم يرسل رسولا إلا ليطاع. وقوله:
(بإذن الله): أي بأمر الله الذي دل به على وجوب طاعتهم، والاذن على وجوه أحدها: يكون بمعنى اللطف كقوله (وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله).
وثانيها: بمعنى التخلية كقوله تعالى: (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله).
وثالثها: بمعنى الامر كما في الآية (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم): أي بخسوها حقها بإدخال الضرر عليها بفعل المعصية، من استحقاق العقاب، وتفويت الثواب، بفعل الطاعة. وقيل: ظلموا أنفسهم بالكفر والنفاق. (جاؤوك) تائبين مقبلين عليك، مؤمنين بك، (فاستغفروا الله) لذنوبهم، ونزعوا عما هم عليه، (واستغفر لهم الرسول) رجع من لفظ الخطاب في قوله (جاؤوك) إلى لفظ الغيبة، جريا على عادة العرب المألوفة، واستغفرت لهم يا محمد ذنوبهم: أي سألت الله أن يغفر لهم ذنوبهم.
(لوجدوا الله) هذا يحتمل معنيين: أحدهما: لوجدوا مغفرة الله لذنوبهم، ورحمته إياهم. والثاني: لعلموا الله توابا رحيما، والوجدان يكون بمعنى العلم، وبمعنى الادراك، فلا يجوز أن يكون على ظاهره هنا بمعنى الادراك، لأنه سبحانه غير مدرك في نفسه (توابا): أي قابلا لتوبتهم (رحيما) بهم في التجاوز عما قد سلف منهم. وفي قوله (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع) أوكد دلالة على بطلان