المقدار المراد منه بقوله مثل أحد و قال الزين بن المنير أراد تعظيم الثواب فمثله للعيان بأعظم الجبال خلقا و أكثرها إلى النفوس المؤمنة حبا لأنه الذي قال في حقه أنه جبل يحبنا و نحبه انتهى و لأنه أيضا قريب من المخاطبين يشترك أكثرهم في معرفته و خص القيراط بالذكر لأنه كان أقل ما تقع به الإجارة في ذلك الوقت أو جرى ذلك مجرى العادة من تقليل الأجر بتقليل العمل و استدل بقوله من تبع على أن المشي خلف الجنازة أفضل من المشي امامها لأن ذلك هو حقيقة الأتباع حسا قال ابن دقيق العيد الذين رجحوا المشي امامها حملوا الأتباع هنا على الأتباع المعنوي أي المصاحبة و هو أعم من أن يكون امامها أو خلفها أو غير ذلك و هذا مجاز يحتاج إلى أن يكون الدليل الدال على استحباب التقدم راجحا انتهى و قد تقدمت الإشارة إلى ذلك في باب السرعة بالجنازة و ذكرنا اختلاف العلماء في ذلك بما يغنى عن اعادته (قوله أكثر علينا أبو هريرة) قال ابن التين لم يتهمه ابن عمر بل خشي عليه السهو أو قال ذلك لكونه لم ينقل له عن أبي هريرة أنه رفعه فظن أنه قال برأيه فاستنكره انتهى و الثاني جمود على سياق رواية البخاري و قد بينا أن في رواية مسلم أنه رفعه و كذا في رواية خباب عن أبي هريرة عند مسلم أيضا و قال الكرماني قوله أكثر علينا أي في ذكر الأجر أو في كثرة الحديث كأنه خشي لكثرة رواياته أن يشتبه عليه بعض الأمر انتهى و وقع في رواية أبي سلمة عند سعيد بن منصور فبلغ ذلك ابن عمر فتعاظمه و في رواية الوليد بن عبد الرحمن عند سعيد أيضا و مسدد و أحمد بإسناد صحيح فقال ابن عمر يا أبا هريرة انظر ما تحدث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم (قوله فصدقت يعني عائشة أبا هريرة) لفظ يعني للبخاري كأنه شك فاستعملها و قد رواه الإسماعيلي من طريق أبي النعمان شيخه فلم يقلها و في رواية مسلم فبعث ابن عمر إلى عائشة يسألها فصدقت أبا هريرة و في رواية أبي سلمة عند الترمذي فذكر ذلك لابن عمر فأرسل إلى عائشة فسألها عن ذلك فقالت صدق و في رواية خباب صاحب المقصورة عند مسلم فأرسل ابن عمر خبابا إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة ثم يرجع إليه فيخبره بما قالت حتى رجع إليه الرسول فقال قالت عائشة صدق أبو هريرة و وقع في رواية الوليد بن عبد الرحمن عن سعيد بن منصور فقام أبو هريرة فأخذ بيده فانطلقا حتى أتيا عائشة فقال لها يا أم المؤمنين أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول فذكره فقالت اللهم نعم و يجمع بينهما بأن الرسول لما رجع إلى ابن عمر يخبر عائشة بلغ ذلك أبا هريرة فمشى إلى ابن عمر فاسمعه ذلك من عائشة مشافهة و زاد في رواية الوليد فقال أبو هريرة لم يشغلني عن رسول الله صلى الله عليه و سلم غرس الودي و لا صفق بالأسواق و إنما كنت أطلب من رسول الله صلى الله عليه و سلم أكلة يطعمنيها أو كلمة يعلمنيها قال له ابن عمر كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه و سلم و اعلمنا بحديثه (قوله لقد فرطنا في قراريط كثيرة) أي من عدم المواظبة على حضور الدفن بين ذلك مسلم في روايته من طريق ابن شهاب عن سالم بن عبد الله ابن عمر قال كان ابن عمر يصلي على الجنازة ثم ينصرف فلما بلغه حديث أبي هريرة قال فذكره و في هذه القصة دلالة على تميز أبي هريرة في الحفظ و أن إنكار العلماء بعضهم على بعض قديم و فيه استغراب العالم ما لم يصل إلى علمه و عدم مبالاة الحافظ بانكار من لم يحفظ و فيه ما كان الصحابة عليه من التثبت في الحديث النبوي و التحرز فيه و التنقيب عليه و فيه دلالة على فضيلة
(١٥٧)