التوحيد و يشهد له استنباط عبد الله بن مسعود في ثاني حديثي الباب من مفهوم قوله من مات يشرك بالله دخل النار و قال القرطبي معنى نفي الشرك أن لا يتخذ مع الله شريكا في الإلهية لكن هذا القول صار بحكم العرف عبارة عن الإيمان الشرعي (قوله فقلت و إن زنى و إن سرق) قد يتبادر إلى الذهن أن القائل ذلك هو النبي صلى الله عليه و سلم و المقول له الملك الذي بشره به و ليس كذلك بل القائل هو أبو ذر و المقول له هو النبي صلى الله عليه و سلم كما بينه المؤلف في اللباس و للترمذي قال أبو ذر يا رسول الله و يمكن أن يكون النبي صلى الله عليه و سلم قاله مستوضحا و أبو ذر قاله مستبعدا و قد جمع بينهما في الرقاق من طريق زيد بن وهب عن أبي ذر قال الزين بن المنير حديث أبي ذر من أحاديث الرجاء التي أفضى الإتكال عليها ببعض الجهلة إلى الإقدام على الموبقات و ليس هو على ظاهره فإن القواعد استقرت على أن حقوق الآدميين لا تسقط بمجرد الموت على الإيمان و لكن لا يلزم من عدم سقوطها أن لا يتكفل الله بها عمن يريد أن يدخله الجنة و من ثم رد صلى الله عليه و سلم على أبي ذر استبعاده و يحتمل أن يكون المراد بقوله دخل الجنة أي صار إليها إما ابتداء من أول الحال و إما بعد أن يقع ما يقع من العذاب نسأل الله العفو و العافية و في هذا الحديث من قال لا إله إلا الله نفعته يوما من الدهر أصابه قبل ذلك ما أصابه و سيأتي بيان حاله في كتاب الرقاق و في الحديث أن أصحاب الكبائر لا يخلدون في النار و أن الكبائر لا تسلب اسم الإيمان و أن غير الموحدين لا يدخلون الجنة و الحكمة في الاقتصار على الزنا و السرقة الإشارة إلى جنس حق الله تعالى و حق العباد و كأن أبا ذر استحضر قوله صلى الله عليه و سلم لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن لأن ظاهره معارض لظاهر هذا الخبر لكن الجمع بينهما على قواعد أهل السنة بحمل هذا على الإيمان الكامل و بحمل حديث الباب على عدم التخليد في النار (قوله على رغم أنف أبي ذر) (3) بفتح الراء و سكون المعجمة و يقال بضمها و كسرها و هو مصدر رغم بفتح الغين و كسرها مأخوذ من الرغم و هو التراب و كأنه دعا عليه بأن يلصق أنفه بالتراب (قوله حدثنا عمر بن حفص) أي ابن غياث و شقيق هو أبو وائل و عبد الله هو ابن مسعود و كلهم كوفيون (قوله من مات يشرك بالله) في رواية أبي حمزة عن الأعمش في تفسير البقرة من مات و هو يدعو من دون الله ندا و في أوله قال النبي صلى الله عليه و سلم كلمة و قلت أنا أخرى و لم تختلف الروايات في الصحيحين في أن المرفوع الوعيد و الموقوف الوعد و زعم الحميدي في الجمع و تبعه مغلطاي في شرحه و من أخذ عنه أن في رواية مسلم من طريق وكيع و ابن نمير بالعكس بلفظ من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة و قلت أنا من مات يشرك بالله شيئا دخل النار و كأن سبب الوهم في ذلك ما وقع عند أبي عوانة و الإسماعيلي من طريق وكيع بالعكس لكن بين الإسماعيلي أن المحفوظ عن وكيع كما في البخاري قال و إنما المحفوظ الذي قبله أبو عوانة وحده و بذلك جزم ابن خزيمة في صحيحه و الصواب رواية الجماعة و كذلك أخرجه أحمد من طريق عاصم و ابن خزيمة من طريق يسار و ابن حبان من طريق المغيرة كلهم عن شقيق و هذا هو الذي يقتضيه النظر لأن جانب الوعيد ثابت بالقرآن و جاءت السنة على وفقه فلا يحتاج إلى استنباط بخلاف جانب الوعد فإنه في محل البحث إذ لا يصح حمله على ظاهره كما تقدم و كأن ابن مسعود لم يبلغه حديث جابر الذي أخرجه مسلم بلفظ قيل يا رسول الله ما الموجبان قال من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة
(٨٩)