مستندة إلى الإنكار الأول فاعلمها النبي صلى الله عليه وسلم بأن الوحي نزل بإثباته انتهى و قال الكرماني يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ سرا فلما رأى استغراب عائشة حين سمعت ذلك من اليهودية أعلن به انتهى و كأنه لم يقف على رواية الزهري عن عروة التي ذكرناها عن صحيح مسلم و قد تقدم في باب التعوذ من عذاب القبر في الكسوف من طريق عمرة عن عائشة أن يهودية جاءت تسألها فقالت لها أعاذك الله من عذاب القبر فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم أتعذب الناس في قبورهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عائذا بالله من ذلك ثم ركب ذات غداة مركبا فخسفت الشمس فذكر الحديث وفي آخره ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر و في هذا موافقة لرواية الزهري و أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن علم بذلك و أصرح منه ما رواه أحمد بإسناد على شرط البخاري عن سعيد بن عمرو بن سعيد الأموي عن عائشة أن يهودية كانت تخدمها فلا تصنع عائشة إليها شيئا من المعروف الا قالت لها اليهودية وقاك الله عذاب القبر قالت فقلت يا رسول الله هل للقبر عذاب قال كذبت يهود لا عذاب دون يوم القيامة ثم مكث بعد ذلك ما شاء الله أن يمكث فخرج ذات يوم نصف النهار و هو ينادي بأعلى صوته أيها الناس استعيذوا بالله من عذاب القبر فإن عذاب القبر حق و في هذا كله أنه صلى الله عليه وسلم إنما علم بحكم عذاب القبر إذ هو بالمدينة في آخر الأمر كما تقدم تاريخ صلاة الكسوف في موضعه و قد استشكل ذلك بأن الآية المتقدمة مكية و هي قوله تعالى يثبت الله الذين آمنوا و كذلك الآية الأخرى المتقدمة و هي قوله تعالى النار يعرضون عليها غدوا و عشيا و الجواب أن عذاب القبر إنما يؤخذ من الأولى بطريق المفهوم في حق من لم يتصف بالإيمان و كذلك بالمنطوق في الأخرى في حق آل فرعون و أن التحق بهم من كان له حكمهم من الكفار فالذي أنكره النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو وقوع عذاب القبر على الموحدين ثم أعلم صلى الله عليه وسلم أن ذلك قد يقع على من يشاء الله منهم فجزم به و حذر منه و بالغ في الاستعاذة منه تعليما لأمته و ارشادا فانتفى التعارض بحمد الله تعالى و فيه دلالة على أن عذاب القبر ليس بخاص بهذه الأمة بخلاف المسئلة ففيها اختلاف سيأتي ذكره آخر الباب (قوله قال نعم عذاب القبر) كذا للأكثر زاد في رواية الحموي و المستملي حق و ليس بجيد لأن المصنف قال عقب هذه الطريق زاد غندر عذاب القبر حق فتبين أن لفظ حق ليست في رواية عبدان عن أبيه عن شعبة و إنها ثابتة في رواية غندر عن شعبة و هو كذلك و قد أخرج طريق غندر النسائي و الإسماعيلي كذلك و كذلك أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة * (تنبيه) * وقع قوله زاد غندر الخ في رواية أبي ذر وحده و وقع ذلك في بعض النسخ عقب حديث أسماء بنت أبي بكر و هو غلط * خامسها حديث أسماء بنت أبي بكر أورده مختصرا جدا بلفظ قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فذكر فتنة القبر التي يفتتن فيها المرء فلما ذكر ذلك ضج المسلمون ضجة و هو مختصر و قد ساقه النسائي و الإسماعيلي من الوجه الذي أخرجه منه البخاري فزاد بعد قوله ضجة حالت بيني و بين أن أفهم آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سكت ضجيجهم قلت لرجل قريب مني أي بارك الله فيك ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر كلامه قال قال قد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور قريبا من فتنة الدجال انتهى و قد تقدم هذا الحديث في كتاب العلم و في الكسوف من طريق فاطمة بنت المنذر عن
(١٨٧)